تنزيل مشروع قانون العقوبات البديلة دونه تحديات بعضها قانوني وآخر مرتبط بالتمثلات المجتمعية لمفهوم العقاب

يروم مشروع القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، الذي صادق عليه مجلس الحكومة مؤخرا، تعزيز بدائل العقوبات السالبة للحرية من أجل مواجهة مشكل الاكتظاظ السجني، والتقليص من اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي، والحد من التكاليف المالية والاجتماعية المترتبة عنه، ذلك أن مقارنة نسبة نزلاء المؤسسات السجنية بعدد السكان يؤشر إلى خطورة الوضع، مما يستدعي اتخاذ تدابير فعالة وعاجلة لمواجهته.

ولعل الوتيرة المتسارعة التي يتزايد بها عدد الساكنة السجنية؛ والتي سجلت نسبة 10 في المائة في غضون سنة واحدة من متم 2021 إلى متم 2022، وفق ما جاء في تقرير المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج برسم سنة 2022، يعكسها الرقم القياسي لعدد الساكنة السجنية المسجل برسم سنة 2022 والبالغ 97 ألف و204 سجناء، مما يؤشر على وضع “يبعث على القلق”، حسب المندوبية، ويدفع بشدة في اتجاه بلورة مقاربة جديدة في إصلاح واقع العدالة الجنائية بالمغرب وتطوير الطرق القضائية البديلة بغرض استيعاب التحولات العميقة التي تعرفها البنيات السوسيو اقتصادية.

مشروع القانون هذا، الذي كان موضوع نقاش عمومي مستفيض استمر لسنوات، ورصدت فيه العديد من التجارب المقارنة مع استحضار خصوصية المجتمع المغربي، يأتي استجابة للتطورات التي يشهدها العالم في مجال الحريات وحقوق الإنسان في خطوة “إصلاحية كبرى شجاعة وجريئة” كما وصفها الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة، من أجل إقرار بدائل للعقوبات السالبة للحرية القصيرة المدة (لا تتجاوز 5 سنوات) تكون كفيلة بتحقيق الردع في إطار مقاربة أمنية إصلاحية ناجعة تخضع للسلطة التقديرية للقاضي.

وإذا كان مشروع قانون العقوبات البديلة قد حصر المستفيدين من تدابيره في بعض المحكومين على خلفية ارتكاب جنح بسيطة داخل المجتمع، أخذا بعين الاعتبار حالات العود التي لا يتحقق فيها الردع المطلوب، فإنه في المقابل يستثني الجرائم المتعلقة بقضايا الإرهاب والاتجار الدولي في المخدرات والمؤثرات العقلية والاتجار في البشر والاغتصاب وأمن الدولة والاختلاس والغدر والرشوة واستغلال النفوذ وتبديد الأموال العمومية وغسيل الأموال والاستغلال الجنسي للقاصرين أو الأشخاص في وضعية إعاقة.

ويتضمن مشروع القانون ثلاثة أنواع من العقوبات البديلة، منها العمل لأجل المنفعة العامة؛ والمراقبة الالكترونية؛ وتقييد بعض الحقوق وفرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية في إطار مسطرة قضائية تتبع إلى حين استكمال كل مسارات التقاضي، لكن تنزيل مقتضياته تقف دونه، حسب المهتمين، تحديات كبيرة بحاجة إلى قدر كبير من الحكامة في ظل بنية اجتماعية بحاجة أيضا إلى تأهيل.

وفي هذا السياق، وجوابا على سؤال حول مدى استجابة مقتضيات هذا المشروع لانتظارات المجلس الوطني لحقوق الإنسان باعتباره من أبرز المساهمين في النقاش العمومي حول العقوبات البديلة، نوه السيد أنس سعدون، وهو قاض مكلف بمهمة في ديوان رئيسة المجلس، بالتفاعل الإيجابي لوزارة العدل مع عدد من التوصيات الواردة في الرأي الذي تقدم به المجلس بناء على طلب إبداء الرأي من طرف وزير العدل بتاريخ 27 ماي 2022 .

وأوضح، في حديث خص به وكالة المغرب العربي للأنباء، أن ملاحظات المجلس توخت تحقيق مجموعة من الأهداف من بينها، تقوية مقتضيات النص بمضامين كفيلة بالاستجابة لمتطلبات المقاربة المرتكزة على حقوق الإنسان وذلك بتنزيل التوصيات الصادرة عن المنظومة الدولية لحقوق الانسان الموجهة الى المغرب، وخاصة توصيات الآليات التعاهدية، وتقوية إطار حماية الفئات الهشة في المنظومة الجنائية بما يلبي حاجياتهم الخاصة في إطار المتعارف عليه دوليا، وتدعيم الوضع القانوني لحقوق الضحايا في التشريعات الجنائية، والأخذ بعين الاعتبار لموقعهم عند تطبيق العقوبة البديلة.

كما تروم هذه الملاحظات، يضيف السيد سعدون، تقديم إجابات عملية لمشكل تفاقم ظاهرة الاكتظاظ داخل المؤسسات السجنية، والتي لا تساعد على مراعاة القواعد الخاصة بالمساحة الدنيا المخصصة لكل سجين المتعارف عليها دوليا، كما تؤثر سلبا على تمتع الساكنة السجنية بحقوقها، وتحد من نجاعة تنفيذ برامج الإدماج وإعادة التأهيل.

وحول طبيعة التحديات المرتبطة بتنزيل مشروع القانون هذا، وسبل تجاوزها، أوضح السيد سعدون، أنها متعددة منها ما هو قانوني يرتبط بالأساس بضرورة المراجعة الشاملة للقانون الجنائي ومراجعة فلسفة التجريم والعقاب، بما يحقق التخفيف من آثار التضخم التشريعي في المادة الجنائية، وذلك برفع التجريم عن بعض مظاهر الجنوح البسيط، فضلا عن مراجعة مقتضيات قانون المسطرة الجنائية بتوسيع صلاحيات قاضي تطبيق العقوبة، دون إغفال التحديات اللوجستية والمالية المترتبة عن هذا الإصلاح.

أما الشق غير القانوني، يتابع المسؤول، فيتعلق بالجانب الثقافي والقيمي والتمثلات المجتمعية لمفهوم العقاب، مشيرا إلى أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان أكد، في هذا الصدد، على أن تفعيل تنزيل العقوبات البديلة على مستوى الممارسة يبقى رهينا بمدى توفير الحكومة للميزانيات الكافية لإنجاح هذا المشروع، بما يكفل تنظيم حملات التحسيس بأهمية أعمال العقوبات البديلة، وتوفير هذه البدائل وبالأخص ما يتعلق بالرصد الالكتروني، وتنزيل آليات تتبع أعمال البدائل وتنفيذها، خاصة ما يتعلق بالعمل لأجل المنفعة العامة، وتعزيز قدرات القائمين على إنفاذ القوانين على تطبيقها، وانخراط الإعلام في عمليات التحسيس لبناء موقف عام داعم للعقوبات البديلة.

وتتوقع المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، وفق تقرير أنشطتها لسنة 2022، أن يواصل عدد السجناء الارتفاع ليصل إلى 104 آلاف سجين في أفق 2026، وهو ما يشير، وفق إحصائياتها، إلى ارتفاع محتمل في عدد السجناء بنسبة 7 في المئة ما بين سنتي 2022 و2026، لافتة إلى أنه في حال تأكدت هذه التوقعات، فإن المعتقلين الاحتياطيين سيمثلون 39 في المئة من مجموع الساكنة السجنية في أفق سنة 2026.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.