الاشتغال على المعجم المسرحي تأليفا وترجمة: ثلاثة أسئلة للكاتب أحمد بلخيري

أجرت الحوار ربيعة صلحان-ومع

يسجل المتتبع للثقافة المسرحية العربية ندرة في الاشتغال على المعجم المسرحي تأليفا وترجمة وإعدادا من لدن الباحثين العرب في المجال المسرحي. خلاصة مهمة توصل إليها الكاتب والباحث في مجال المسرح أحمد بلخيري بعد سنوات من البحث توجت بإصداره لكتاب “معجم المصطلحات المسرحية” الذي ستصدر طبعته الثانية قريبا.

في حوار مع وكالة المغرب العربي للأنباء، بمناسبة اليوم العالمي للمسرح الذي يصادف ال27 مارس من كل سنة، يقدم الكاتب معطيات إضافية حول هذا الخصاص، كما يسلط الضوء على أهمية المعجم المسرحي، وأهمية الاشتغال عليه.

1 – بناء على أبحاثك العلمية، ما سبب ندرة الاشتغال على المعجم المسرحي تأليفا وترجمة من قبل الباحثين العرب ؟

فعلا هذا هو الواقع، إذ يلاحظ المتتبع للثقافة المسرحية العربية ندرة في الاشتغال على المعجم المسرحي تأليفا وترجمة وإعدادا من لدن الباحثين العرب في المجال المسرحي. قد يكون السبب راجعا إلى أن الاشتغال في هذا الميدان يتطلب توفر بنية تحتية علمية وظروف مساعدة، وهما منعدمان أو شبه منعدمين في الفضاء المسرحي العربي الراهن.

كما أنه ميدان لامكان فيه للإنشائيات والانطباعات والذاتيات والعموميات والخطابات الانفعالية والحشو. ولعل أقوى دليل على ذلك هو أن المادة الأساسية في “معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية” لإبراهيم حمادة، و” المعجم المسرحي” لماري إلياس وحنان قصاب حسن، هي مادة غربية.

وهذا بخلاف “معجم المسرح ” لباتريس بافيس، وغيره من الفرنسيين الذين اشتغلوا على المعجم المسرحي، الذي تتكون مادته من المسرح والثقافة المسرحية الغربيين فقط.

2 – ما هي تحديدا نوعية التواصل التي تحققها المفاهيم؟

مما لاشك فيه أن أي تواصل لغوي لايتحقق إلا بالمفاهيم، إذ هي جوهر اللغة الطبيعية العادية ولب اللغة العلمية الاصطناعية؛ المفاهيم هي ما يجعل الانسان يفرق بين شيئ وشيئ، وكائن وكائن، وكيان وكيان…لكن المفاهيم تحتاج إلى نسق يضم بعضها إلى بعض لربط صلات وعلائق بين أثاث الكون حتى يتحقق نوع من الانسجام والاتساق بين الأثاث بعضه ببعض وبينه وبين الانسان. مفاهيم المرحلة الطبيعية هي وليدة الادراك العمومي الذي لايهتم كثيرا بالتدقيقات والتفاصيل ورسم الحدود؛ ومفاهيم المرحلة الاصطناعية هي نتيجة التدقيق والتحديد، وهي مجال الباحثين والعلماء على اختلاف تخصصاتهم.

ولهذا السبب احتل الاهتمام بالمفاهيم مركزا هاما في الأبحاث العلمية والاجتماعية والإنسانية لما لها من دور في ضبط التعامل في الحياة اليومية والعملية، وفي بناء النظريات والمناهج والنماذج في الحياة العلمية. يتجلى هذا الاهتمام في مناحي الحياة الجامعية المتعددة وفي المعاجم والكتب المختصة. ومنذ القديم أدركت الثقافة العربية أن المصطلحات هي مفاتيح العلوم. ولأن الأمر كذلك، وجب على المشتغل في هذا المجال أن يقدم معلومات دقيقة ووافية عن كل مصطلح.

هاته المصطلحات ليست من وضع صاحب المعجم، بل ليست من وضع فرد واحد، إنها حصيلة اجتهاد جماعي علمي وفني وثقافي ونقدي عبر تاريخ المسرح في العالم.

وفضل صاحب المعجم-أي معجم- يتمثل في استيعاب وفهم وجمع وتقديم معلومات دقيقة عنها اعتمادا على هذا الاجتهاد الجماعي المتراكم. وقد يضع بعضها بناء على ماتوفر لديه من معطيات نصية وركحية.

3 – لو عدنا قليلا للتاريخ، متى تم الاهتمام بالمعجم المسرحي؟

إذا كانت الثقافة المسرحية العربية لم تهتم بهذا الفرع المعرفي والعلمي الا ابتداء من السنوات الاخيرة من القرن العشرين ، فإن الامر ليس كذك بالنسبة للثقافة المسرحية الفرنسية. فقد أوردت أغنيس بييرون Agnès Pierron في مدخل “معجم لغة المسرح / Dictionnaire de la langue du théâtre” المحاولات الفرنسية التي بذلت في هذا المجال منذ 1824 مرورا بالعمل المتفرد لآرتور بوجان Arthur Pougin المنشور سنة 1885 .

وقد مر قرن من الزمان لكي تستأنف الثقافة المسرحية الفرنسية الاهتمام بالمعجم المسرحي. مر قرن طويل، كما قالت بييرون، ليظهر “معجم المسرح” لباتريس بافيس سنة 1980، وهو معجم اهتم بالسيميولوجيا.

ينضاف إلى ذلك “المعجم الموسوعي للمسرح / Dictionnaire encyclopédique du théâtre”، الذي أشرف عليه ميشيل كورفان Michel Corvin، المنشور سنة 1995. وقد شارك في إنجازه فريق يتكون من مائتي (200) مشارك، منهم أغنيس بييرون. ولاشك أن الثقافة المسرحية العربية عموما، والثقافة المسرحية المغربية جزء منها، في أمس الحاجة إلى هذه المعاجم المسرحية من أجل ضبط المصطلحات المسرحية، وتجاوز الفوضى وسوء التفاهم الناتجين عن عدم الضبط وعدم التدقيق.

ولقد كان سعد الله ونوس محقا حين قال في تقديمه ل” المعجم المسرحي” لماري إلياس وحنان قصاب” لقد مرت، وماتزال تمر، فترات يستسهل فيها كل محرر في صحيفة، ومهما كانت خبرته ضحلة وثقافته محدودة، الكتابة عن المسرح ونقد عروضه وتحليل نصوصه”.

لكن مافات سعد الله ونوس، هو أن هذا الاستسهال لايقتصر فقط على بعض الصحفيين، ولكنه يشمل كتابات باحثين عرب في مجال المسرح، وهنا تكون الفوضى مضاعفة لأن هذا الذي يقدم من قبل هؤلاء يقدم باسم العلم! ولسوء الحظ، لوكانت المصطلحات ناطقة لأعلنت هي نفسها عصيانها نتيجة سوء الاستخدام أحيانا، ولفضحت جهل أوتجاهل أواستسهال عدد من مستعمليها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.