اقتصاد: الصين تدرس مسارات النمو المستدام

عبد الغني اعويفية (ومع)

عندما رفعت الصين في يناير الماضي الإجراءات الصارمة لمكافحة وباء كوفيد-19 الذي شكل تهديدا حقيقيا للاقتصادات الكبرى في العالم، كان كل شيء يشير إلى أن البلد الآسيوي سيستأنف صعوده الاقتصادي السريع.

غير أن الرياح المعاكسة التي هبت خلال الأشهر التي تلت الوباء أثرت سلبا على الأهداف التي حددها العملاق الآسيوي.

فمن مناخ دولي تغلب عليه حالة عدم اليقين بسبب التموقعات الجيوستراتيجية، إلى الأزمة العقارية، مرورا بضعف الطلب الداخلي والخارجي، ومديونية الحكومات المحلية، وجدت الصين نفسها في وضعية غير مريحة.

ويقول المحللون لاسيما الصينيون، إن الأزمة لا تقتصر على الصين، معتبرين أن القوى العالمية الكبرى في نفس الوضع أو أسوأ منه.

وبحسب تحليلات وتوقعات المؤسسات المالية العالمية لن تكون سنة أفضل حالا سنة 2024، ذلك أن البنك الدولي يتوقع نموا بنسبة 4,5 بالمائة للاقتصاد الصيني سنة 2024 مقابل 5,2 سنة 2023. وكلا المعدلين أقل بكثير من تلك التي حققها البلد خلال السنوات التي سبقت الوباء.

ومع الأخذ بعين الاعتبار البيئة الدولية المعقدة والعوامل الداخلية الأخرى، لاسيما أزمة العقارات وضعف الطلب، رفع المسؤولون الصينيون مؤخرا من وثيرة اجتماعاتهم في محاولة لتحديد أفضل طريق للخروج من هذا الوضع.

وبعد الحزب الشيوعي وأعلى هيئاته الادارية، جاء الدور على المؤتمر المركزي للعمل الاقتصادي ليجتمع هذا الأسبوع لتقديم نسخته من خريطة الطريق التي يتعين أن يتبعها البلد سنة 2024.

ويتعلق الأمر باجتماع مهم خصوصا وأن المؤتمر المركزي هو الإطار الذي يتم من خلاله وضع الأجندة الوطنية للاقتصاد، وقطاعيه المالي والبنكي. ويتم عقده بشكل مشترك من طرف اللجنة المركزية للحزب الشيوعي ومجلس الدولة، أعلى هيئة إدارية بالبلد.

وتلتقي تحليلات الهيئات المختلفة في البلد حول نقطة واحدة، وهي تعميق الإصلاح لتعزيز أسس التجارة الخارجية، والاستثمار باعتباره حجر الزاوية لتمكين الصين من مواصلة أهدافها التنموية بثبات.

وإدراكا لأهمية الابتكار والتكنولوجيا، أكد المشاركون في المؤتمر المركزي على ضرورة استكمال تحديث النظام الصناعي الصيني القائم على الابتكار العلمي والتكنولوجي.

وشددوا خلال هذا المؤتمر على أن الصين ليس لديها خيارات أخرى إذا كانت تريد حماية المكانة التي تحتلها في سلاسل الصناعة والتوريد العالمية. وبحسب المحللين فإن المهمة تبدو صعبة في سياق عالمي يتعين أن يتسع فيه نطاق محاولات “كسر” السيطرة الصينية على الشرايين الرئيسية للاقتصاد العالمي.

ويعد الانتقال إلى مستوى أعلى من الانفتاح أداة أخرى تسعى الصين لاستخدامها في جهودها للعودة لمعدلات نمو ما قبل الوباء. وهكذا سيعطي البلد دفعة قوية لمنطقة التجارة الحرة النموذجية في شنغهاي، من خلال دمجها في النظام التنظيمي للتجارة العالمية.

وبحسب المؤتمر المركزي، فإن المزيد من اتفاقيات التجارة الحرة مع الدول الأجنبية ستكون أيضا محل اهتمام الصين.

وسيتجه اهتمام المحللين وصناع القرار، خاصة في الدول الغربية، نحو الصين لتتبع المسار الذي يتبعه البلد من أجل انعاش اقتصاده.

وقال المحلل في الأكاديمية الصينية للتجارة الدولية مي شينيو، “كل هذا يعني أن السياسات الصينية يمكن أن يكون لها تأثير كبير على استقرار وحيوية التجارة الدولية والاقتصاد العالمي ككل”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.