من إداوكنيظيف إلى شوارع مكناس.. احتفاء بمسار شخصيتين استثنائيتين في تاريخ الاقتصاد والمقاومة

العاصمة الاسماعيلية، مكناس، تحتفي بعلمين من أعلام الاقتصاد والمقاومة وقعا على جزء كبير من تاريخ المدينة بمداد من الذهب وفي سجل غير قابل للمحو.

ففي مشهد يعبق بالتاريخ والإلهام، احتفت مدينة مكناس بمسار شخصيتين استثنائيتين ينحدران من إداوكنيظيف الجبلية الواقعة بإقليم اشتوكة أيت باها بجهة سوس ماسة، في تكريم لا يُنسى لإسهاماتهما في تاريخ الاقتصاد والمقاومة من أحضان العاصمة الاسماعيلية. تماشيًا مع روح الإبداع والتفاني، رفعت المدينة الراية العالية للتقدير والعرفان في حفل استحضر عددا من الإنجازات التي حققتها هاتين الشخصيتين.
الحدث، تم تنظيمه خلال فعاليات الإطلاق الرسمي لإسم ” مولاي مسعود أكوزال” على أكبر شارع بمكناس، في حفل تميز بحضور وفد رسمي مكون من المندوب السامي للمقاومة وجيش التحرير، مصطفى الكثيري، وعامل عمالة مكناس عبد الغني الصبار، ورئيس الجماعة الترابية للمدينة، فضلا عن فعاليات مدنية وعسكرية ورجال الاقتصاد والمال والأعمال والمجتمع المدني وحضور من سائر جهات المملكة.
الراحل مولاي مسعود أكوزال، رجل الأعمال العصامي ترك قصة ملهمة للأجيال من العطاء والجد التي انطلق فيها من الصفر إلى أن صار إسمه مشهودا في عالم الاقتصاد والتنمية بالعاصمة الاسماعيلية على الخصوص، وعلى الصعيد الوطني على نحو عام. قصة نجاحه في مجال المال والأعمال وانخراطه في دعم المقاومة الوطنية ضد الاستعمار، ودعمه المتواصل خلال حياته للتنمية والاستثمار بمدينة مكناس، وتعلقه بحب وإخلاص بالعرش العلوي والأسرة العلوية الشريفة، كلها أرقام من ضمن أخرى صنعت معادلة شخصية استثنائية، حصل على أوسمة ملكية من طرف جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، ومن جلالة الملك محمد السادس أيده الله ونصره، حيث يسجل التاريخ العصامية والنذر اللامشروط لكل الإمكانيات المتاحة التي قدمتها خدمة للوطن في مراحل البناء والتشييد.
ويعتبر الراحل أكوزال، وهو من مواليد جماعة “إدا أوكنيضيف” باشتوكة أيت باها سنة 1930، أحد أبرز الفاعلين الاقتصاديين العصاميين، حيث أسس، بعيد الاستقلال، مجموعة من الأنشطة التجارية والصناعية بالعديد من المدن المغربية.
مولاي مسعود أكوزال، رجل الأعمال العصامي، خلف تراثًا وكتابا مفتوحا ملهمًا للأجيال بفضل إسهاماته الكبيرة في مجال الاقتصاد والتنمية في العاصمة الاسماعيلية وعلى المستوى الوطني. قصة نجاحه تعود إلى بداياته البسيطة حين بدأ مشواره، خلال سنوات الأربعينيات، بتأسيسه شركة لتوزيع الزيوت بمدينة مكناس، ليصبح منذ سنة 1956 أول مصدر لزيت الزيتون نحو إيطاليا.
وأسس الراحل، بعد ذلك بعقدين، شركة “زيوت مكناس”، ثم في سنة 1974 ولج قطاع العقارات وصناعة الصباغة بشرائه لشركتي (شيميكولور) و(شيميلابو) خلال مرحلة التأميم.
كما ارتبط اسم الراحل مولاي مسعود أكوزال بمقاومة الاستعمار، ودعم المسيرة الخضراء بالتموين واللوجستيك، وإطلاق أولى المبادرات الاستثمارية بالصحراء المغربية.
وخلال هذا الحدث الرسمي، ألقيت كلمة شكر وتقدير باسم عائلة مولاي مسعود أكوزال، لكل الفعاليات المحلية والجهوية والوطنية التي حضرت مراسيم إطلاق إسمه على هذا الشارع النابض بمدينة مكناس، وهو اعتراف من ضمن الاعترافات التقديرية لمسار الراحل طيلة حياته بالمدينة، تكريمه هو اعتراف بمساره المليء بالعطاء وتمازجه الكامل مع مكناس وأهلها على مدار عقود طويلة، محب للعلم والعلماء، ورجل اجتماعي يقدم الدعم للمجتمع المدني الفاعل والنشيط في التنمية المستدامة.
وليس مولاي مسعود أكوزال الشخصية الوحيدة التي تم تكريمها في هذا الحدث. فقد تم تذكيرنا بشخصية أخرى مهمة من المنطقة ذاتها، حيث سجلت الفعاليات الحاضرة ملامح من تاريخ ومسار شخصية ثانية ، لإسم ينحدر هو الآخر من منطقة “إداوكنيظيف” التابعة لإقليم اشتوكة ايت باها، والتي ازداد بها سنة 1920، ويتعلق الأمر بالراحل”أحمد بنهمو” الذي وافته المنية سنة 2017، وكان قد انخرط في العمل السياسي والوطني منذ سنة 1948 ضمن خلية حزب الاستقلال بمكناس، مكلفا بنقل الرسائل وصلة وصل بين الوطنيين والراحل مولاي مسعود أكوزال، في ايصال الإعانات والمواد الغذائية لخلايا المقاومة ولعائلات المعتقلين، مما عرضه للاعتقال والسجن مرتين بمدينة مكناس، ولم يطلق سراحه إلا في أواخر سنة 1952 وبقي وفيا لمبادئه الوطنية إلى حين عودة رمز الحرية والاستقلال جلالة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه، والأسرة الملكية من المنفى.
تجسد قصة مولاي مسعود أكوزال وأحمد بنهمو قوة وإرادة أبناء الوطن في مقاومة الظروف الصعبة والسعي نحو التقدم والتنمية. تسمية الشارع بإسم أحدهما هي رمز للإلهام والتحفيز للأجيال القادمة لمواصلة العطاء والسعي نحو بناء مجتمع أفضل.
وتعكس هذه الخطوة التكريمية أيضًا الاهتمام بتخليد ذاكرة الشخصيات البارزة التي ساهمت في تاريخ المغرب وذات تأثير كبير على المستوى الوطني. إنها دعوة للمجتمع بأسره للتفكير في قيم الشجاعة والتضحية والعمل الدؤوب وتقدير الإرث الثقافي والاقتصادي للبلاد.
وتجدر الإشارة في هذا السياق، إلى أن الراحل مولاي مسعود أكوزال، ترك كتابا يروي محطات كلها دروس وعبر من حياته الاقتصادية والاجتماعية ودعم المقاومة والقيم الوطنية، روى كثيرا منها أيضا خلال المقابلة التي أجراها معه الإعلامي حسن أكنيظيف كأول محاور له، وأحد أبناء منطقة إداوكنيظيف، وهي ماتزال من ضمن الشواهد الحية على ذاكرة رجل عصامي يعتبر مدرسة في تجارب الحياة وتحدياتها وتماوجاتها المتعددة.
وبذلك تكون مدينة مكناس اليوم قد أعادت أمجاد من تاريخها الحافل بالأحداث والمنجزات التي بصم عليها الرعيل الأول من أعلام الاقتصاد والمقاومة لتبقى دروسا مشرقة حق لكل الأجيال الجديدة أن تفتخر بها وتستلهم منها روح الوطنية وحب الوطن والتعلق بالعرش العلوي المجيد وتغليب المصلحة العليا للوطن في كل المحطات والمجالات.
ويحق اليوم أن يكون هذا التكريم المشهود للراحلين مولاي مسعود أكوزال وأحمد بنهمو، بداية لمزيد من التقدير والعرفان للشخصيات البارزة الملهمة وتعزيز التواصل بين الأجيال المختلفة لبناء مستقبل أفضل للبلاد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.