تونس: إجراء انتخابات تشريعية في ظل أجواء قاتمة

يتوجه حوالي 9 ملايين ناخب تونسي، اليوم السبت، لصناديق الاقتراع، لتجديد أعضاء مجلس نواب الشعب (البرلمان) ، نفس اليوم الذي اختاره الرئيس قيس سعيد ليكون موعدا جديدا للاحتفال بالثورة ، بدلا من 14 يناير منذ 2011.

وتعرف هذه الانتخابات منافسة 1.055 مرشحا على 161 مقعدا ، وهو أقل عدد يتم تسجيله، على الإطلاق، في جميع الانتخابات السابقة التي شهدتها البلاد منذ عام 2011.

ووفقا للمراقبين، فإن هذه انتخابات لا مثيل لها، لأسباب منها الاستبعاد الفعلي للأحزاب السياسية من هذا الاقتراع ، ونتيجة قانون انتخابي، لم يحظى بالإجماع، و الذي ينص على جولتين ، وبرلمان مستقبلي بصلاحيات محدودة منصوص عليها في الدستور الجديد لـ 25 يوليو 2022 الذي يمنح صلاحيات كاملة لرئيس الجمهورية.

وشكلت هذه الصلاحيات موضوع معارضة كبيرة بالداخل، ومحل انتقاد مباشر من الخارج، والتي ينظر إليها على أنها “انحراف استبدادي” و “تحول نحو نظام رئاسي مفرط”.

وفي ظل هذا المناخ القاتم والشك وخيبة الأمل أيضا ، فإن الدعوات المستمرة للمقاطعة من جميع الأطراف (الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني ، إلخ) تكاد تكون عاملا مهما في هجر الناخبين لمكاتب الاقتراع.

ونتيجة لحملة انتخابية باهتة، بل والتي مرت دون نقاش عمومي حقيقي، ومرشحين دون ملفات مقنعة، لا يتحمس الناخبون لهذه العملية. وانشغل المواطنون المستهدفون ، القلقون أصلا، بهموم أخرى منها تكلفة المعيشة التي لا تطاق، و معدل تضخم اقترب من 10 في المائة في نونبر، و نقص مهول في المواد الأساسية ، التي تتفاقم بشكل متواتر، وانعدام الآفاق بين الفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة .

وليست هذه الانتخابات مثل سابقاتها، حيث دخل عدد من بين 1055 مرشحا للبرلمان، عالم السياسة عن طريق الخطأ أو الصدفة ، وهو ما دفع الكثيرين إلى الاعتقاد أنهم سياسيون مبتدؤون.

ومقارنة بتشكيلة المجلس القديم، يسجل تراجع كبير حيث لا نشاط معلن لواحد من كل ستة مرشحين، والباقي، قادمون من الوظيفة العمومية أو التعليم الزراعي وكذا الحر.

وبالنسبة لحضور النساء، فهو “أكثر من مجرد رمزي” فهن فقط 122 ، مقابل 936 رجلا ، ليتم التضحية بالمناصفة وتجاهلها، وهي التيكانت يوما ما بتونس محور معركة في مثل هذه الاستحقاقات

ولا يجب إغفال حقيقة أخرى، غير معتادة، وهي أن معظم الدوائر الانتخابية في الخارج محرومة من المرشحين، فثلاثة من هذه الدوائر عرفت ترشيح مرشح واحد فقط، ما يعني الانتخاب التلقائي، وهو نفس الأمر بسبع دوائر أخرى على المستوى الوطني.

ووفقا لعدد كبير من المحللين ، في هذا المناخ القاتم ، سيكون من الصعب، بشكل خاص توقع معدل مشاركة كبيرة ، خاصة من الشباب ، الذين يشعرون بخيبة أمل أكثر من أي وقت مضى لاسيما مع معاناتهم من البطالة المستفحلة.

وعلى وقع ما تم تسجيله من المقاطعة القياسية عن التصويت في 25 يوليوز خلال الاستفتاء على الدستور الجديد (70 في المائة نسبة المقاطعة) ، فإن استحقاق اليوم لا يبشر ،على الإطلاق ، بعكس ذلك.

ولا يبدي الشباب أي اهتمام بانتخابات ستنتج ، في نظرهم، “برلمانا دمية” وغير قادر على تغيير الوضع في البلاد.

وفوق هذا وذاك، جاءت إشارة سيئة ، الجمعة الماضي من صندوق النقد الدولي الذي سحب اجتماع مناقشة برنامج القرض المتعلق بتونس (نحو ملياري دولار) من جدول أعمال مجلس إدارته، وهو الذي كان يعول عليه لمنع البلاد من الإفلاس المحتوم.

وبالإضافة إلى كل هذا، فإن الأمر يتعلق بموعد انتخابي عارضته الطبقة السياسية والاجتماعية على نطاق واسع، حيث تقاطع معظم الأطياف السياسية هذا الاستحقاق، كما تواصل العديد من أحزاب المعارضة التظاهر والتنديد بتعنت النظام.

وقبل أيام قليلة من التصويت ، ظهرت أصوات جديدة تنتقد “حالة عدم اليقين السياسي السائدة” ، كما أشارت إلى ذلك الرابطة التونسية لحقوق الإنسان ، أو “نقص في الشفافية لدى الحكومة” كما يرى الاتحاد العام التونسي للشغل.

وكان الأمين العام للاتحاد، نور الدين الطبوبي ، بتوجيهه يوم 3 دجنبر الجاري انتقادات لاذعة للانتخابات التشريعية التي اعتبر أنها “جاءت وليدة دستور لم يكن تشاركيا (في صياغته) ولا محل اجماع وموافقة الأغلبية ” ويقلص بشكل كبير من دور الأحزاب السياسية.

ويرى الطبوبي إن تونس مقبلة “على انتخابات من دون لون ولا رائحة”.

وأخيرا، وليس آخرا، وجه البرلمان الأوروبي، قبل 48 ساعة من افتتاح صناديق الاقتراع ، ضربة غير متوقعة للسلطات التونسية بإعلانه مقاطعته لهذه الانتخابات.

ويعكس البيان الصادر عن أعضاء البرلمان الأوروبي شكوكهم في مصداقية هذه العملية، حيث أكد أنه “لن يرسل مراقبين إلى تونس لمراقبة الانتخابات التشريعية وأنه “لن يفوض أي عضو من أعضائه لمراقبة العملية الانتخابية أو التعليق على نتائجها نيابة عنه”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.