تجاذبات مثلث “الجماعة والمستثمر والتجار” تكبح انتعاش سوق الحرية بانزكان

في خطوة غير مسبوقة بجهة سوس ماسة، أقدم مجلس جماعة انزكان، وفي قرار مفاجئ، تمت التعبئة له بكثير من الهمة والاصرار، على فسخ اتفاقية التسيير التي ربطت الجماعة بشركة “برادرز سانتر شوب” النائلة لحق الامتياز لاستغلال سوق الحرية مدة 65 سنة، والمتواجد بالمنطقة الجنوبية لمدينة إنزكان.

المشروع الضخم الذي يعد أكبر سوق بسوس وجنوب المغرب خرج للوجود من مكتب الرئيس السابق لمجلس جماعة انزكان السيد محمد أملود، بمعية المستثمر المعروف بانزكان بمشاريعه وأعماله، السيد عبد اللطيف غانم، وهو نفسه اليوم، أي السيد أملود، يترافع ضد صديق الأمس ويقطع عطلته باسبانيا للمشاركة في التصويت على قرار فسخ اتفاقية تسيير سوق الحرية، فأين يكمن المشكل؟ وما الداعي لهذا القرار الذي صدم تجار انزكان بشكل كبير؟

firstnews.ma

سوق الحرية أكبر سوق يومي بسوس وجنوب المغرب

أنجز سوق الحرية على مساحة بلغت 10 هكتارات، نصف المساحة عبارة عن أماكن لوقوف السيارات، يتواجد بالمنطقة الجنولبة لمدينة انزكان الى جانب مرجان وسوق الجملة للخضر والفواكه وسوق الأسماك، سوق الحرية سوق يومي يضم أزيد من 1700 محل تجاري، مخصص لمختلف الأنشطة التجارية المتنوعة.

تميز سوق الحرية بكونه عمل مشترك بين القطاع العام والخاص، ولد في يناير سنة 2003 بإحدى دورات المجلس الجماعي، بكناش تحملات جرى تعديله مرتين، 2005 و2010، وفرت على إثره الجماعة الترابية العقار والتراخيص الضرورية، في حين تكفل المستثمر بالبناء والتسيير، حيث سيستفيذ من إبرادات السوق لمدة 66 سنة.

سنة 2016 قام رئيس جماعة انزكان آنذاك السيد أحمد أدراق، بافتتاح سوق الحرية، ووضع بذلك حدا للبلوكاج الذي عرفه منذ سنوات، قرر أن يتحمل المسؤولية وينفس المدينة من الأزمة التي شكلها هذا السوق منذ الشهور الأولى لاحداثه. وقد كان أبرز الغائبين عن حفل الافتتاح آنذاك هي السلطة بجميع مكوناتها، خصوصا السيد عامل عمالة انزكان ايت ملول الذي كان غير موافق على الافتتاح مالم يوف المستثمر بجميع التزاماته.

firstnews.ma

سوق الحرية من أزمة لأزمة، فمتى ستنقضي عجائبه؟

عشش سوق الحرية كثيرا في دهاليز محكمة جرائم الأموال بمراكش، محاكمات مراطونية جرت أطوارها بين تجار السوق ممثلين ببعض النقابات وبين المستثمر النائل لحق الامتياز، فقد يدأت الأزمة بين الطرفين مذ رفع المستثمر من السومة الكرائية للمحلات، وهو الأمر الذي اعتبره التجار خيانة للعهد واعتبره المستثمر أمرا مفروضا عليه من الجماعة، فقد رفع المجلس من قيمة الاتاوة السنوية من 40 مليون سنتيم إلى 200 مليون سنتيم بعد ثلاث تعديلات شملت دفتر التحملات، الى جانب الزيادة في ثمن الاتاوة كل تسع سنوات، وهكذا رفعت النقابات دعوى قضائية ضده تتهمه أنه قام ببيع الملك العام للتجار وتسلم منهم مبالغ مالية خارج منصوصات دفتر التحملات.

مشاكل السوق بدأت قبل افتتاحه، فقد توقفت أشغاله لست سنوات على الأقل، بعد تدهور العلاقات بين المستثمر ورئيس الجماعة الجديد آنذاك من جهة، وبينه وعامل الاقليم من جهة ثانية، بعد أن طولب بعدة تغييرات وامتيازات رفضها جملة وتفصيلا، فقد اعتبرها غير قانونية وريعية وغير أخلاقية، الأمر الذي جعل مدة بناء السوق تصبح 13 سنة بدل ست سنوات.

سوق الحرية تعاقبت عليه خمس مجالس منتخبة، وعاملين، وعُدل دفتر تحملاته ثلاث مرات، وظل البروتوكول الإضافي الذي ينص على أن يسلم المستثمر للمجلس 180 محلا محط خلاف دائم وتجاذبات لا تنتهي يمررها مجلس لآخر، مشروع ظهر أنه ولد وفي فمه ملعقة من ذهب، لكن طريقه مليء بالأشواك والاكراهات والمشاكل، وما تزال تتجدد مع قدوم كل مجلس جديد.

المعيفي يقر بوجود خروقات في المشروع ويتهم المستثمر بالاستهانة بمراسلات المجلس

اليوم وبعد أزيد من 19 سنة من قرار احداث سوق الحرية، وأزيد من ست سنوات على افتتاحه يعود لواجهة الأحداث من جديد، فقد صوت المجلس الجماعي لانزكان في دورته الاستثنائية يوم 22 غشت 2022 بالإجماع على نقطة إسقاط حق امتياز استغلال سوق الحرية لنائله السيد عبد اللطيف غانم مسير شركة “برادرز سانتر شوب”.

عقب التصويت على القرار المثير، عقد السيد رئيس المجلس رشيد المعيفي ندوة صحفية تطرق فيها لأسباب اتخاذ المجلس للقرار السالف الذكر، بأن الفسخ جاء دفاعا عن حقوق الجماعة والتجار، بعد أن أصبح المرفق موضوع الفسخ يتخبط في مشاكل كثيرة منذ سنة 2003، خصوصا والشركة نائلة الإمتياز لم تف حسب قوله بالتزاماتها للجماعة وللتجار. وقد أكد المعيفي أنه راسل صاحب الشركة المعنية، خمس مرات لحثه على الوفاء بالتزاماته المنصوصة في الاتفاقية، لكنه لم يستجب لها بحجة أنه في عطلة. الأمر الذي اضطره كرئيس للمجلس لتنفيد المسطرة في حق المعني وسلوك الطرق القانونية لارجاع الحقوق لأصحابها.

نائل حق الامتياز ينفي الاتهامات ويؤكد أنه وفى بجميع الالتزامات

في تصريح لجريدة الأول للأخبار الالكترونية، أكد السيد عبد اللطيف غانم، مسير شركة “برادرز سانتر شوب”، أن شركته النائلة لحق الامتياز بسوق الحرية قد “نفذت ما جاء في كناش دفاتر التحملات، شَيدتْ السوق وفق معايير دولية، وتقوم بتسييره في أحسن الظروف، بشهادة التجار أنفسهم وجمعيتهم”، وتابع بالقول: “الجماعة هي التي لم تنفذ التزاماتها بسوق الحرية، أين الربط بخطوط الهاتف؟ أين تهيئة مرابد السيارات؟ أين تهيئة المساحة المخصصة للخضر والفواكه؟”، وحسب تصريح السيد غانم، فقد اعتبر أن “ما قام به مجلس جماعة انزكان قرار غير قانوني، لم نخبر به قبل شهر على الأقل كما ينص عليه القانون، وتصريح السيد الرئيس مجانب للصواب، ووراء الأمر ما وراءه”، وتابع المستثمر المعروف بانزكان أن “فسخ هذا النوع من الاتفاقيات لا يتم بهذا الشكل ولا بهذه السرعة والارتجالية، فهناك مساطير طويلة تحكمه وتعويضات يجب تقديمها، والأمر ستبث فيه المحاكم المختصة أولا قبل تنفيذه، مخطئ من يظن أن الامر ما هو إلا قرار بالاجماع في جلسة من جلسات المجلس، يليه مباشرة دخول الجماعة وتصرفها على هواها في المرفق، الأمور ليست هكذا، الأمر فيه مغالطات”. وحذر، السيد عبد اللطيف غانم، من أن يغدو مصير سوق الحرية كمصير المساحة المخصصة للخضر والفواكه بالسوق، فقط حولتها الجماعة لمكان عشوائي يعرف جميع الآفات، حسب نفس المتحدث.

firstnews.ma

لقد دخل سوق الحرية ومعه مدينة انزكان منعطفا آخر من الشد والجذب، ولفصول جديدة من التعقيدات والعراقيل، فصول جديدة من المحاكمات، وسلسلة جديدة من القرارات، الضحية الأكبر فيها هو تنمية المدينة وحقوق التجار والمواطنين، فما يزال ينظر لانزكان، ونحن على أعتاب نهاية سنة 2022، أنها تلك البقرة الحلوب التي يسعى الجميع لحلبها بأية وسيلة، ولا يبالي بمن حوله ولا بالمآلات والنتائج، منتخبين كانوا أو مستثمرين أو تجار، فأغلب أسواقها الكبرى تعرف مشاكل قانونية وتدبيرية ومالية، خاصة كانت أو جماعية، ما يستدعي تدخلات صارمة وقوية من وزارة الداخلية ومن السيد عامل الاقليم لاعادة الامور لسكتها، فكيف يبلغ البناء تمامه إن كنت تبني وغيرك يهدم، إنزكان جزء من أكادير الكبير وهو قطبه التجاري والمالي، عليه أن يواكب التنمية التي يعرفها بفضل المشاريع التي جاء بها برنامج التنمية الحضرية لأكادير 2020-2024، فلا يعقل أن تعرف أكادير مشاريع تنموية كبرى وانزكان على أبواب انتكاسة تنموية ستعصف به ما لم يتحرك العقلاء، فلا يجب تركه للمستثمرين ورجال الأعمال يتخاطفونه ويتلاعبون به، وعلى القانون أن يطبق على الجميع، وبيد من حديد، ومن لم يوف بالتزاماته كائنا من كان تنفد فيه المساطر، ومن أوفى بها يشكر وينوه به في المحافل ويقدم له العون والثناء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.