انخراط المغرب التام في مكافحة ظاهرة الإرهاب والتطرف يتم من خلال استراتيجية وطنية منسجمة وشاملة ومندمجة (السيد الدخيسي)
أكد والي الأمن مدير الشرطة القضائية بالمديرية العامة للأمن الوطني، محمد الدخيسي، اليوم الاثنين بالرباط، أن المملكة المغربية ما فتئت تعبر على انخراطها التام في مكافحة ظاهرة التطرف والإرهاب، موضحا أن هذا الانخراط يتم من خلال استراتيجية وطنية منسجمة وشاملة ومندمجة، تأخذ بعين الاعتبار جميع العوامل المؤدية إلى التطرف والإرهاب وتستند على مقاربة قانونية وحقوقية وأمنية ودينية، وسوسيو اقتصادية واجتماعية جعلتها تحظى باعتراف دولي.
وأوضح السيد الدخيسي، في كلمة خلال الجلسة الأولى من الملتقى العلمي الدولي حول موضوع “الثقافة والفنون ودورها في مكافحة الجريمة والتطرف”، الذي تنظمه منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، أنه على المستوى القانوني، تم وضع قوانين جديدة تتماشى مع التشريعات الدولية و خصوصياتها، لاسيما القانون رقم 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب المتمم والمعدل بمقتضى القانون رقم 84.16 المتعلق بظاهرة المقاتلين الإرهابيين الأجانب، إلى جانب سن القانون رقم 43.05 المتمم والمعدل بمقتضى القانون رقم 12.18 المتعلق بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
وأضاف أنه تم أيضا إحداث هيئات وطنية جديدة تعنى برصد المعاملات المالية المشبوهة وتطبيق قرارات الأمم المتحدة بشأن مكافحة الإرهاب، كالهيئة الوطنية للمعلومات المالية واللجنة الوطنية المكلفة بتطبيق العقوبات المنصوص عليها في قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بالإرهاب وانتشار التسلح وتمويلهما.
ومن جهة أخرى، أشار السيد الدخيسي إلى أن المستوى الحقوقي والأمني يحظى بأهمية قصوى ضمن الإستراتيجية الوطنية، عبر تعزيزه بموارد بشرية ولوجيستيكية، إضافة إلى إحداث مجموعات أمنية جديدة ووضع مخطط عمل وطني يحقق الرؤية الملكية السامية الرامية إلى تعزيز الحكامة الأمنية الجيدة، طبقا للمقتضيات الجديدة للدستور ووفقا لمبادئ دولة الحق والقانون.
وفي هذا الصدد، أوضح السيد الدخيسي أنه تم توقيع عدة شراكات بين وزارة الداخلية، والمديرية العامة للأمن الوطني، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان، ومركز النخيل للدراسات، مشيرا بخصوص التكوين الشرطي، إلى أن مادة حقوق الإنسان أضحت ضمن برنامج التكوين المعتمد بالمعهد الملكي للشرطة والمدارس الأمنية التابعة له.
وعلى صعيد آخر، أبرز السيد الدخيسي أن إعادة هيكلة الحقل الديني تعتبر من بين نقاط القوة التي تنبني عليها إستراتيجية المملكة في مكافحة الفكر والخطاب المتطرف ورد الاعتبار للقيم الدينية الروحية والإنسانية، وذلك عبر الدعوة إلى تبني إسلام، وسطي، تحت راية مؤسسة إمارة المؤمنين.
وأكد أن هذه المؤسسة المتجذرة في نفوس وقلوب المغاربة تعتبر بمثابة اللحمة التي تجتمع حولها كل مكونات المجتمع المغربي بكل أطيافه وتشكلاته، وتجعل من صاحب الجلالة الملك محمد السادس، الضامن الفعلي والوحيد للأمن الروحي والديني والساهر على إرساء مبادئ الإسلام السني، من خلال ترؤس جلالته للمجلس العلمي الأعلى، وهي المؤسسة الوحيدة التي يرجع إليها أمر إصدار الفتاوى.
وتطرق السيد الدخيسي من جانب آخر، إلى مجهودات الدبلوماسية الدينية التي انتهجها المغرب والموجهة بالأساس لدول الجوار التي يتهددها التطرف الديني.
وأشار، في هذا الصدد، إلى المساهمة في إعداد برامج التكوين ونشر تعاليم الدين الإسلامي الحنيف عبر بثها على قنوات تلفزية وإذاعية من طرف الأئمة والخطباء والوعاظ، بالشكل الذي يسهل على المتلقي فهم معاني وأسرار الدين الإسلامي الصحيح، مضيفا أن الهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء، التابعة للمجلس العلمي الأعلى، ساهمت في تقنين الفتاوى، وذلك تحت إشراف 15 عالما.
وفي معرض تناوله للمحور السوسيو اقتصادي والاجتماعي، قال السيد الدخيسي إنه “من النقط المهمة التي ترتكز عليها الإستراتيجية المغربية لمواجهة الإرهاب”، وذلك عن طريق مكافحة الفقر والهشاشة، وتدارك الخصاص في البنيات التحتية والخدمات الاجتماعية والعمل على تحسين الدخل والاندماج الاقتصادي للشباب عبر إشراكهم في سوق العمل وتشجيعهم على القيام بمشاريع ذاتية تحقق رغباتهم وترفع من مستوى عيشهم بالشكل الذي يجعلهم في منأى عن الأفكار الهدامة.
وفي هذا الصدد، – يضيف السيد الدخيسي-، أطلقت المملكة منذ 2005 المبادرة الوطنية للتنمية البشرية معززة بمؤسستي محمد الخامس للتضامن ومحمد السادس لإدماج السجناء، بهدف الدفع بالتنمية البشرية للأجيال الصاعدة، مشيرا إلى أن المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، بادرت من جهتها، خلال سنة 2017، بتنسيق مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والرابطة المحمدية للعلماء، والوزارات المرتبطة، ورئاسة النيابة العامة، إلى إطلاق برنامج “مصالحة”.
وسجل أن هذا البرنامج يستهدف المعتقلين على خلفية قضايا التطرف والإرهاب، حيث يتضمن هندسة بيداغوجية تروم تحقيق مصالحة النزيل مع الذات أولا، ثم مع النص الديني من خلال فهم سليم له، ثم المصالحة مع المجتمع ومع كل ما يؤطره من قوانين وما ينبغي أن يواكب ذلك من واجبات.
وفي السياق نفسه، أشار السيد الدخيسي إلى أن هذا البرنامج سمح للمستفيدين منه بالحصول على شواهد دراسية عليا، تفتح في وجههم سوق العمل كما أتاح لهم الفرصة للتعبير عن مواهبهم في مجالات تأليف الروايات والدواوين الشعرية، وتقديم عروض مسرحية يجسدون من خلالها إدماجهم داخل المجتمع ونبذهم للعنف والإرهاب.
وأضاف المسؤول الأمني، أنه في إطار إستراتيجيتها التشاركية مع باقي الفاعلين في الميدان، وبتنسيق وتعاون مع المصالح التابعة لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، تبادر المديرية العامة للأمن الوطني، عند بداية كل موسم دراسي، إلى إطلاق حملة وطنية تحسيسية بالمؤسسات التعليمية، موضحا أن هذه الحملة التي تشرف عليها أطر متمرسة من المصالح اللاممركزة للأمن الوطني عبر تناول مواضيع متعددة الجوانب، تشمل الوقاية من مخاطر استهلاك المخدرات والمشروبات الكحولية والتحرش الجنسي بالأطفال.
كما تشمل دعم السلوكات الوقائية من الاعتداءات ضد الأشخاص أو الممتلكات والتوعية والتحسيس ضد ن زعات الفكر المتطرف الهدام التي توظفها الجماعات الإرهابية للتغطية على مخططاتها الظلامية عبر المشاركة في صياغة سيناريوهات للأفلام القصيرة حول استغلال الشبكة العنكبوتية في استقطاب الشباب.
وشدد السيد الدخيسي على أن الفكر لا يواجه إلا بالفكر والأفكار الظلامية لا يمكن مواجهتها إلا بتقديم أفكار تنويرية تجتث الإرهاب من جذوره، مؤكدا أن رسالتي الثقافة والفن تلعبان دورا مهما في تنوير عقول الشباب وتطهيرهم من مستنقع التطرف والإرهاب.
وأضاف أن الجماعات المتطرفة والإرهابية تنبذ الأفكار المغايرة والجديدة المستقاة من الفنون والآداب كالسينما والمسرح والإنتاج الشعري والقصصي، والغناء، وتؤمن بتلك التي توافق إيديولوجيتها، مشيرا إلى أن هذه الجماعات المتطرفة حاولت صنع فن خاص بها الذي جاء سطحيا بلا عمق ووعظيا لا يراعي شروط ومضامين الفن.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الملتقى الذي تنظمه جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، ومنظمة الإيسيسكو، ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، على مدى ثلاثة أيام، يهدف إلى التعريف بوظيفة العمل الفني والثقافي في مجال مكافحة الجريمة وإعادة تأهيل ذوي السوابق الإجرامية والإرهابية لتسهيل إعادة دمجهم في المجتمع.
كما يهدف الملتقى، الذي حضر جلسته الافتتاحية على الخصوص، رئيس مجلس المستشارين، النعم ميارة، ووزير العدل، عبد اللطيف وهبي، والوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، مولاي الحسن الداكي، إلى إبراز أهمية المحتويات الثقافية والفنية في دعم التعايش بين الأفراد والشعوب والحضارات في مكافحة التطرف والإرهاب، وإلى استعراض أفضل الممارسات والتجارب العربية والإقليمية والدولية.