بقلم: ذ. مطريب بوشعيب
“يا أيها الجمعويون – عفوا يا أشباه الجمعويين – اخلعوا الأقنعة فأنتم فقط كومبارس ….انتم فقط كراكيز ليس لكم القرار أو التأثير حتى في محيطكم فكيف ستناضلون من أجل المجتمع المدني وإبداء الرأي”
إن النهوض بالجمعيات يتطلب النهوض بالعمل الجمعوي لكن النهوض به يقتضي النهوض بالثقافة الجمعوية , التي هي المكون الأصلي لفكر الإنسان وصانعة توجهاته وقيمه وسلوكه, فالفرد في المجتمع ما هو إلا ثمرة ثقافة مجتمعه، إن هي سمت وارتفعت سما معها في سلوكه وتفكيره ومبادئه وقيمه، وإن هي هوت وتدنت هوى متدنيا معها، ولعل ذلك يفسر لنا ما نراه من تخلف في عملنا الجمعوي بالجديدة التي ترتفع فيها نسبة الفساد والتسيب والإهمال واللامبالاة, بسبب ما تعاني منه تلك جمعياتنا من تدن في ثقافاتها, وإذن لابد من بذل الحرص والاجتهاد في الاعتناء بجمعياتنا والنهوض بها إن أردنا نهوضا وقضاء على كثير من آفاتها وعيوبها
ففي مجتمعنا الجديدي، من الواضح أن الجمعيات لا تنال ما تستحق من الرعاية والاهتمام، ولعل أبرز دليل على ذلك، عدم الاعتراف كجسد مستقل تنمو وتكبر وتتبلور في جو تسوده المساوات وعدم الإقصاء والاعتراف بالمجهودات التي تبدلها تلك الجمعيات الجادة والمتواجدة طيلة السنة وفي تاريخها الكثير ، فقد ظلت مسؤولية رعاية الثقافة في المجتمع مسندة لزمن طويل إلى جمعيات عدة تتنازعها من كل جانب، فجزء منها مسند إلى ….. وثان إلى …., وثالث إلى….. وهكذا، ثم لما استُشعر عدم صواب هذا التشتت ،ضُمت أجزاء الجمعيات المبعثرة وأسندت جميعها إلى…… باستثناء اجزاء بسيطة في بعض الجمعيات
( الفاهم يفهم) وخير دليل ماجاء في مقترحات لجنة الشؤون الاجتماعية والثقافية والرياضية بخصوص المساعدات والدعم برسم السنة المالية2023 والذي اتضح من خلالها ( المقترحات ) ظلم الجمعيات الجادة وعدم انصافها و إقصاء جمعيات اجتماعية حاضرة طيلة السنة تحت دريعة لم تفهم وليست في علم السلطات ومما زاد في الطين بلة إدراج جمعيات في المقترح من اجل الاستفادة من الدعم مع العلم أنها ( الجمعيات) تتنافى والقوانين الجاري بها العمل في هذا المنحى والغريب في الأمر تواجد جمعيتان لهما نفس الرئيس ضمن اقتراحات هذه اللجة فالسؤال المطروح لمن نحمل المسؤولية ؟ ناهيك عن ظهور جمعية أسست سنة 1954 فما هذا يا هذا ؟
من هنا يمكن الجزم أن الجمع بين الثقافة الجمعوية والثقافة السياسية في بوتقة واحدة ،على ما قد يظهر بينهما من تقارب، هو لا يخدم الجمعيات كما ينبغي بل إنه يغمطها حقها من الرعاية والاعتناء ، فالواقع يشير إلى أن هناك اختلافاً في المفهوم أو وظيفة بين السياسة والعمل الجمعوي ، وهو اختلاف يحتم الفصل بينهما, فالعمل الجمعوي يراد منه في أحيان كثيرة أن يكون موجهاً ليخدم أغراضا محددة كالتوافق مع السياسة العامة للبلد, أو الدفاع عن مصالحه والحفاظ على حقوقه، أو نشر الوعي بين الناس حول أمور الحياة كالشؤون الثقافية أو الاقتصادية أو الصحية أو البيئية أو الاستهلاكية أو غير ذلك, وهي كلها مجالات تقوم على مخاطبة ما في الواقع من حقائق ومعالجتها وإيصالها للجماهير بما يخدم الصالح العام, ،و تتعلق بنواحي الفكر والابتكار والإبداع, فهي تتجه إلى مخاطبة العقول ولا يهمها في شيء ايصال الحقائق القائمة. ومن هنا فإن العمل الجمعوي والعمل السياسي يسيران في مسارين مختلفين مما يحتم عدم امتزاجهما وذوبان أحدهما في الآخر
إن هذا لايعني إغفال ما يبذل حاليا من جهود لتنشيط الوسط الجمعوي بالجديدة والقضاء على ما يكتنفه من الركود، إلا أن ذلك لا يكفي، فالنهوض بالعمل الجمعوي كما ينبغي يتطلب ميزانية مستقلة وجهازا جمعويا متكاملا وقيادة مستقلة تصنع الاستراتيجيات وتضع الخطط بما يحقق نهوضا فعليا لعالمنا الجمعوي, وذلك ما يجعلنا نرى أهمية فصل العمل الجمعوي عن العمل السياسي لتكون هيئة مستقلة تعمل على توفير بيئة جمعوية مناسبة تتبرعم فيها عوامل التحفيز على النضال الجمعوي من أجل الإبداع والخلق والنهوض بالثقافة وما إليها ، وتتمتع بقدر كبير من الحرية والاستقلال.