المسيرة الخضراء المظفرة.. ملحمة تاريخية جسدت أروع صور التلاحم بين العرش العلوي المنيف والشعب المغربي الوفي
بكل مظاهر الاعتزاز والإكبار، وفي أجواء الحمـاس الوطني الفياض والتعبئة المستمـرة واليقظـة الموصولـة حول قضيتنا الوطنية الأولـى، قضية الوحـدة الترابيـة المقدسة، يخلد الشعب المغربي ومعه أسرة المقاومـة وجيش التحريـر يوم الإثنين 6 نونبر 2023، من طنجة إلى الكويرة، ذكرى من أغلى وأعز الذكريات الوطنية المجيدة في مسلسل استكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية.
إنها الذكرى 48 للمسيرة الخضراء المظفرة التي أبدعتها عبقرية الملك الموحد، جلالة المغفور له الحسن الثاني، وانطلقت فيها جماهير المتطوعين من كل فئات وشرائح المجتمع المغربي، ومن سائر ربوع الوطن في مثل هذا اليوم من سنة 1975، بنظام وانتظام ،في اتجاه واحد صوب الأقاليم الصحراوية لتحريرها من براثن الاستعمار الإسباني، بقوة الإيمان وبأسلوب حضاري سلمي فريد من نوعه، أظهر للعالم أجمع صمود المغاربة وإرادتهم الراسخة في استرجاع حقهم المسلوب وعزمهم وإصرارهم على إنهاء الوجود الأجنبي والتسلط الاستعماري، بتماسكهم والتحامهم قمة وقاعدة، حيث حققت المسيرة الخضراء المظفرة أهدافها وحطمت الحدود المصطنعة بين أبناء الوطن الواحد، سلاحها كتاب الله، والذود عن حمى الوطن وحياضه، والتمسك بالفضيلة وبقيم السلم والسلام في استرداد الحق المسلوب والدفاع عنه.
وهكذا، أظهرت المسيرة الخضراء للعالم أجمع بالحجة والبرهان مدى التلاحم الذي جسدته عبقرية ملك مجاهد وشهامة شعب وفي وتصميم كافة المغاربة من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال على استكمال استقلالهم الوطني وتحقيق وحدتهم الترابية، وأن سلاحهم في ذلك يقينهم بعدالة قضيتهم وتجندهم وتعبئتهم للدفاع عن مقدساتهم الدينية وثوابتهم الوطنية والذود عن حوزة التراب الوطني المقدس، تحذوهم الإرادة الحازمة لتحقيق وحدتهم التي عمل المستعمر بكل أساليبه على النيل منها، إلى أن عاد الحق إلى أصحابه وتحقق لقاء أبناء الوطن الواحد.
لقد قدم المغرب جسيم التضحيات في مواجهة الاحتلال الأجنبي الذي جثم بثقله على التراب الوطني قرابة نصف قرن، وقسم البلاد إلى مناطق نفوذ موزعة بين الحماية الفرنسية بوسط المغرب، والحماية الإسبانية بشماله ،والنفوذ الاستعماري على أقاليمه الجنوبية، فيما خضعت منطقة طنجة لنظام حكم دولي. وهذا ما جعل مهمة تحرير التراب الوطني صعبة وعسيرة، بذل العرش والشعب في سبيلها تضحيات كبرى ورائعة في غمرة كفاح وطني متواصل الحلقات، طويل النفس، ومتعدد الأشكال والصيغ، لتحقيق الحرية والاستقلال والوحدة والخلاص من ربقة الاستعمار بلونيه والمتحالف ضد وحدة الكيان المغربي إلى أن تحقق النصر المبين والهدف المنشود بانتصار الشرعية والمشروعية التاريخية وعودة بطل التحرير والاستقلال والمقاوم الأول جلالة المغفور له محمد الخامس والأسرة الملكية الشريفة من المنفى إلى أرض الوطن، مظفرا منصورا في 16 نونبر 1955، حاملا لواء الحرية والاستقلال والسيادة الوطنية، وداعيا رحمه الله لمواصلة الجهاد الأصغر بالجهاد الأكبر من أجل بناء وإعلاء صروح المغرب الجديد الناهض والمتقدم.
ولم يكن انتهاء عهد الحجر والحماية إلا بداية لملحمة الجهاد الأكبر الاقتصادي والاجتماعي وإعلاء صروح الوطن، الذي كان من أولى قضاياه تحرير ما تبقى من تراب المملكة من نير الاحتلال. وفي هذا المضمار، كان انطلاق عمليات جيش التحرير بأقاليمنا الجنوبية سنة 1956 لاستكمال الاستقلال الوطني وتحرير الأجزاء المغتصبة من التراب الوطني، واستمرت مسيرة التحرير بقيادة بطل التحريـر والاستقلال والمقاوم الأول جلالة له المغفـور محمد الخامس رضوان الله عليه، بعزم قوي وإرادة صلبة ليتحقق استرجاع إقليم طرفاية في 15 أبريل 1958.
وواصلت بلادنا في عهد جلالـة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه مسيرتها النضالية حيث تم استرجـاع مدينة سيدي افني يوم 30 يونيو 1969، وتكللت بالمسيرة التاريخيـة الكبرى، مسيرة فتح الغـراء في 6 نونبر 1975 التي جسدت عبقرية الملك الموحد الذي استطـاع بأسلوب حضاري سلمي وفريد يصدر عن قوة الإيمان بالحق وبعدالـة القضية الوطنيـة، استرجـاع الأقاليـم الجنوبية، وكان النصر حليف المغاربة، وارتفعت راية الوطن خفاقة في سماء العيون في 28 فبراير 1976، إيذانـا بانتهـاء فترة الاحتـلال والوجود الأجنبي بربوع الصحراء المغربية، وتلاها استرجـاع إقليم وادي الذهب في 14 غشت 1979.
وتواصلت ملحمة صيانة الوحدة الترابية، بكل إيمان وعزم وإصرار، لإحباط مناورات خصوم وحدتنا الترابية. وها هو المغرب اليوم، بقيادة العاهل الهمام، باعث النهضة المغربية جلالة الملك محمد السادس يقف ثابتا وصامدا في الدفاع عن حقوقه المشروعة، مبرزا بإجماعه التام استماتته في صيانة وحدته الترابية، ومؤكدا للعالم أجمع من خلال مواقفه الحكيمة والمتبصرة إرادته القوية وتجنده الموصول دفاعا عن مغربية صحرائه، ومبادرته الجادة لإنهاء النزاع الإقليمي المفتعل بالمنطقة المغاربية الذي طال أمده جراء تعنت وعناد خصوم الوحدة الترابية والمناوئين لحقوق المغرب الثابتة على أراضيه المسترجعة.
وإن أسرة المقاومة وجيش التحرير وهي تستحضر بفخر واعتزاز هذه الملحمة التاريخية الغنية بالدروس والعبر والطافحة بالدلالات والمعاني والقيم، لتجدد موقفها الثابت من قضية وحدتنا الترابية بالتأكيد على مغربية الصحراء، والإعلان عن وقوفها ضد مناورات خصوم وحدتنا الترابية ومخططات المتربصين بسيادة المغرب على كامل ترابه المقدس الذي لا تنازل ولا مساومة في شبر منه. وستظل بلادنا متمسكة بروابط الإخاء والتعاون وحسن الجوار، إيمانا منها بضرورة إيجاد حل سلمي واقعي ومتفاوض عليه لإنهاء النزاع المفتعل حول أقاليمنا الجنوبية. وفي هذا الإطار، تندرج مبادرة منح حكم ذاتي موسع لأقاليمنا الصحراوية في ظل السيادة المغربية.
كما تستحضر بالمناسبة مضامين ودلالات الخطاب التَّاريخي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، يوم 20 غشت 2022 بمناسبة الذِّكرى 69 لملحمة ثورة الملك والشَّعب المباركة، والّذي حمل إشارات قوية ورسائل بليغة في مسار قضية وحدتنا التُّرابية، حيثُ قال جلالتهُ:
“لقد تمكنا خلال السَّنوات الأخيرة، من تحقيق إنجازات كبيرة، على الصَّعيدين الإقليمي والدولي، لصالح الموقف العادل والشرعي للمملكة، بخصوص مغربية الصَّحراء.
وهكذا، عبرت العديدُ من الدُّول الوازنة عن دعمها، وتقديرها الإيجابي لمبادرة الحكم الذَّاتي، في احترام لسيادة المغرب الكاملة على أراضيه، كإطار وحيد لحل هذا النزاع الإقليمي المفتعل.
فقد شكّل الموقفُ الثَّابت للولايات المتحدة الأمريكية حافزاً حقيقياً، لا يتغيرُ بتغير الإدارات، ولا يتأثَّر بالظرفيات. كما نثمنُ الموقف الواضح والمسؤول لجارتنا إسبانيا، الّتي تعرف جيدا أصل هذا النِّزاع وحقيقته.
وقد أسّس هذا الموقف الإيجابي، لمرحلة جديدة من الشّراكة المغربية الإسبانية، لا تتأثر بالظروف الإقليمية، ولا بالتّطورات السّياسية الدّاخلية.
وإن الموقف البناء من مبادرة الحكم الذّاتي، لمجموعة من الدّول الأوروبية، منها ألمانيا وهولندا والبرتغال وصربيا وهنغاريا وقبرص ورومانيا، سيساهِمُ في فتح صفحة جديدة في علاقات الثّقة، وتعزيز الشّراكة النّوعية، مع هذه البلدان الصّديقة.
وبموازاة مع هذا الدّعم، قامت حوالي ثلاثين دولة، بفتح قنصليات في الأقاليم الجنوبية، تجسيدًا لدعمهَا الصَّريح، للوحدة التُّرابية للمملكة، ولمغربية الصحراء.
وحسم جلالتهُ مع المواقف غير الواضحة والمتذبذبة من قضية وحدتنا التُّرابية، بقوله حفظهُ الله:
“وأمام هذه التَّطورات الإيجابية، الّتي تهمُ دولاً من مختلف القارات، أوجه رسالة واضحة للجميع، إن ملف الصَّحراء هو النَّظارة الَّتي ينظرُ بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيطُ، الَّذي يقيسُ به صدق الصداقات، ونجاعة الشّراكات.
لذا، ننتظرُ من بعض الدُّول، من شركاء المغرب التقليديين والجددِ، الّتي تتبنى مواقف غير واضحة، بخصوص مغربية الصَّحراء، أن توضحَ مواقفها، وتراجع مضمونها بشكل لا يقبلُ التأويل”.
كما أكد جلالة الملك محمد السادس في خطابه السامي يوم 6 نونبر2022 بمناسبة الذكرى 47 للمسيرة الخضراء المظفرة على المرحلة الحاسمة التي يشهدها مسار ترسيخ مغربية الصحراء حيث قال جلالته:
“وإذا كانت هذه الملحمة الخالدة، قد مكنت من تحرير الأرض، فإن المسيرات المتواصلة التي نقودها، تهدف إلى تكريم المواطن المغربي، خاصة في هذه المناطق العزيزة علينا.
ومن هنا، فإن توجهنا في الدفاع عن مغربية الصحراء، يرتكز على منظور متكامل، يجمع بين العمل السياسي والدبلوماسي، والنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية للمنطقة”.
ويضيف جلالته: “لقد شكلت الصحراء المغربية، عبر التاريخ، صلة وصل إنسانية وروحية وحضارية واقتصادية، بين المغرب وعمقه الإفريقي.
وإننا نسعى، من خلال العمل التنموي الذي نقوم به، إلى ترسيخ هذا الدور التاريخي، وجعله أكثر انفتاحا على المستقبل.
وهو توجه ينسجم مع طبيعة العلاقات المتميزة، التي تجمع المغرب، بدول قارتنا الإفريقية، والتي نحرص على تعزيزها، بما يخدم المصالح المشتركة لشعوبنا الشقيقة.
إن الوفاء لروح المسيرة الخضراء، ولقسمها الخالد، يتطلب مواصلة التعبئة واليقظة، من أجل الدفاع عن وحدة الوطن، وتعزيز تقدمه وارتباطه بعمقه الإفريقي”.
وفي سياق استمرار الدينامية الإيجابية التي يشهدها ملف وحدتنا الترابية، تحت القيادة الحكيمة والمتبصرة لجلالة الملك محمد السادس، لا بد من الإشادة بتبني مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يوم 30 أكتوبر 2023، للقرار 2703 المتعلق بقضية الصحراء المغربية، والذي يمدد ولاية بعثة المينورسو لمدة سنة، إلى غاية متم أكتوبر2024.
وهو ما يؤكد أن الحل النهائي لهذا النزاع المفتعل الذي طال أمده ، لا يمكن أن يكون إلا “حلا سياسيا واقعيا وعمليا ودائما وقائما على التوافق”.
واحتفاء بهذا الحدث التّاريخي المجيد بما يليقُ به من مظاهر الاعتزاز والإكبار، وإبرازا لدلالاته الرمزية وقيمه النّبيلة وإشاعة لمواقف الوطنية والمواطنة الإيجابية والسلوك المدني في أوساط الناشئة والشّباب والأجيال الجديدة، تنظم المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، يوم الإثنين 6 نونبر 2023 على الساعة الرابعة والنصف عصرا برحاب الفضاء الوطني للذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير التابع للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير الكائن مقرها بالحي الإداري، أكدال بالرباط، معرضا خاصا بالصور التي توثق لحدث المسيرة الخضراء المظفرة؛ ومهرجانا خطابيا تلقى خلاله كلمات وعروض وشهادات حول هذا الحدث التاريخي الجيلي والنوعي، الزاخر بالدروس والعبر، والطافح بقيم الوطنية الحقة والمواطنة الايجابية، والباعث على الاعتزاز بالانتماء الوطني والتمسك بالهوية المغربية.
كما سيتم تكريم صفوة من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، جريا على التقليد الموصول، وترسيخا للسنة المحمودة، برورا وعرفانا بهذه الصفوة الخيرة التي أخلصت للوطن وأعطت وأسدت وضحت ذودا عن حريته واستقلاله ووحدته الترابية.
ومعلوم أنه ستقام في سائر جهات وعمالات وأقاليم المملكة برامج أنشطة وفعاليات بالمناسبة ، تشرف عليها النيابات الجهوية والإقليمية والمكاتب المحلية وفضاءات الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير، من ندوات ومحاضرات، بما فيها عرض إصدارات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وكذا تنظيم زيارات لفائدة الفئات العمرية على اختلافها، لفضاءات الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير البالغ تعدادها 104 وحدة-فضاء، مفتوحة عبر ربوع التراب الوطني.