الأمازيغية…لغة الأم التي تهمش في وطنها

رغم ما يُبشر به الدستور المغربي منذ 2011 باعتبار الأمازيغية لغة رسمية بجانب العربية، ورغم الزخم التاريخي والثقافي الذي تمثله هذه اللغة، يكشف التعداد العام للسكان والسكنى لسنة 2024 عن حقيقة محبطة: ربع المغاربة فقط ما زالوا يتحدثون الأمازيغية، هذا الرقم، الذي يجب أن يكون مصدر فخر، بات شاهدا على عقود من الإقصاء والتهميش الممنهج الذي تعرضت له لغة الأم في بلدها.

25%: رقم أم ناقوس خطر؟

هل يمكن لبلد أن يتفاخر بتعدد هوياته وهو يعجز عن الحفاظ على ركيزة من ركائز وجوده الثقافي؟ ربع سكان المغرب يتحدثون الأمازيغية اليوم، لكن هذا الرقم ليس انعكاسا لسياسات تعزز حضورها، بل يعكس مقاومة طبيعية لأبناء الأمازيغية ضد موجات التهميش والطمس اللغوي، فبدلاً من أن يكون هذا الرقم بداية لنهضة لغوية وثقافية، يبدو أنه مجرد رقم محايد لا ترجمه سياسات واضحة لتحصين اللغة من الانقراض.
أين نحن من الدستور الذي يقر برسمية الأمازيغية؟ أين هي القوانين التي تدعم هذا الاعتراف وتضمن للأمازيغية مكانتها في التعليم والإدارة والإعلام؟ الواقع يشير إلى فجوة شاسعة بين ما يكتب على الورق وما يُطبق على الأرض، الأمازيغية تعامل كلغة ثانوية، أو أسوأ من ذلك، كلغة تراثية محصورة في الزوايا الضيقة للاحتفالات والمهرجانات، في حين أنها لغة حياة وهوية وماض يمتد لآلاف السنين.

إحصاء بلا ترجمة فعلية

تعداد السكان لسنة 2024 قدم أرقاما تعكس تغييرات ديموغرافية واجتماعية في المغرب، لكنه لم يُقدم أي إشارة تطمئننا حول مصير الأمازيغية، ربع السكان يتحدثونها، لكن هل تُدرس كلغة أساسية في المدارس؟ هل يلزم الموظفون العموميون بتعلمها لخدمة المواطنين؟ هل نرى الأمازيغية في لوحات الإدارات والمستشفيات؟ الجواب مؤلم: لا.

سياسة الطمس الثقافي: إلى متى؟

تبدو السياسات المتعلقة بالأمازيغية وكأنها تسير على خطى الطمس التدريجي، إما عبر الإهمال المتعمد أو سوء التخطيط، ويتم الترويج لفكرة أن الأمازيغية لغة صعبة، أو أنها غير قادرة على مواكبة العصر، وهي مغالطات هدفها إقصاء اللغة من مشهد الحداثة. لكن، هل يمكن لأي أمة أن تزدهر وهي تقطع جذورها الثقافية؟

ما تحتاجه الأمازيغية اليوم ليس شعارات أو احتفالات، بل سياسة لغوية واضحة تعيد لها مكانتها الحقيقية. يجب أن تكون الأمازيغية لغة إلزامية في التعليم من الابتدائي إلى الجامعي، ولغة معتمدة في الإدارة والإعلام والمحاكم. يجب أن يتعلم جميع المغاربة، بغض النظر عن انتماءاتهم، الأمازيغية كما يتعلمون العربية.

الأمازيغية ليست خيارا، بل ضرورة

الأمازيغية ليست مجرد وسيلة تواصل، بل هي روح هذا الوطن. كل محاولة لتهميشها أو تجاهلها هي طعنة في صميم الهوية المغربية، إذا كان التعداد العام للسكان قد أشار إلى أن 25% من المغاربة يتحدثون الأمازيغية، فإن المسؤولية الآن تقع على عاتق الدولة لترجمة هذا الرقم إلى سياسات تُنقذ لغة الأجداد من الاندثار.

إلى متى سنبقى نتعامل مع الأمازيغية كعنصر تراثي لا أكثر؟ إلى متى سنغض الطرف عن الحقائق التي تؤكد أن المغرب لن يكون كاملا إلا باعترافه الكامل بلغاته وثقافاته؟ إذا لم نتحرك الآن، فإن الأجيال القادمة ستقف شاهدة على جريمة حضارية ارتكبناها بحق لغة وُلدت من رحم هذا الوطن.
حان الوقت لنُدرك أن الحفاظ على الأمازيغية ليس رفاهية، بل هو واجب وطني. وإذا كان التعداد مجرد أرقام، فإن على الدولة أن تحول هذه الأرقام إلى سياسات تضمن للأمازيغية أن تكون لغة حية، لغة المستقبل، ولغة الجميع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.