أحمد أمسروي بلحسن، فخر العائلة السوسية والصناعة الغذائية بالمغرب

عن م. ع. و. بتصرف

أحمد أمسروي بلحسن، رجل أعمال، شغل منصب الرئيس التنفيذي لمجموعة “بلحسن” الاستثمارية، واحدة من أكبر المجموعات الاستثمارية الكبرى في المغرب، تتوفر على استثمارات صناعية وعقارية كبرى بمنطقة سوس، بالوسط الجنوبي الساحلي للمغرب.

أحمد أمسروي بلحسن، ابن عائلة سوسية أمازيغية مشهورة بالثروة والمال والأعمال، أسرة استثمرت في الصناعات الغذائية والمشروبات الغازية مبكرا، وتربعت على عرش الاقتصاد الصناعي بسوس وباقي ربوع الوطن، حيث تخصصت في بعض الصناعات الغذائية والتحويلية.

عائلة عريقة تعمل وتشتغل في الظل

المتوفى أحمد أمسروي هو ابن الحاج محمد أمسروي بلحسن، مؤسس المجموعة الاقتصادية الكبرى، لا نعرف عنه الكثير من المعلومات، خاصة ظروف وسياقات نزوله بمدينة أكادير وبداياته الأولى في مجال التجارة والتصنيع، بالكاد جمعنا معطيات قليلة حول هذا الشخص العبقري والأسطوري، الذي توفي سنة 2013، لأن هذه الشخصية تستحق الكثير من الدراسة والبحث، باعتبارها شخصية وطنية قدمت الكثير للاقتصاد الوطني وللوطن وللمواطنين بشكل عام. كما أنه يعتبر شخصية ثقافية وتاريخية ستبقى راسخة في ذاكرة المغاربة، مواطنين وتجارا ومستثمرين؛ فهو ينتمي إلى طبقة الأثرياء الكبار، لكن اسمه يعشقه الفقراء كثيرا وتلوكه ألسنتهم كل يوم، ويبحثون عنه في الأسواق باستمرار.“بْلْحَسَنْ” اسم يفرح ويحزن له الجميع، بكل بساطة؛ لأن اسمه مقرون باسم الزيت الذي يفطر به جل المغاربة خاصة في سوس. فجميع أسر وبيوت سوس والصحراء في المدن والبوادي تجد على موائدها “زيت الزيتون واد سوس” التي ينتجها بلحسن، ومنذ أزيد عن 40 سنة يعرفها الناس فقط بهذا الاسم.

عائلة بلحسن لم تحظَ بالعناية اللازمة على غرار العائلات الأخرى التي أنجزت حولها الدراسات والأبحاث، عدا ما جاء به المؤرخ الفرنسي Pierre Vermeren في كتابه Le Maroc en Transition. والسبب ربما يعود إلى أن عائلة بلحسن تفضل الاشتغال في الظل والصمت والابتعاد عن السياسة والحزبية ولعب أدوار طلائعية عبر البروز والظهور المخطط له. فحتى ما تقوم به عائلة بلحسن من عمل اجتماعي في المساعدة الطبية والتضامنية والرياضية والدينية تتحاشى فيه الدعاية، وبالتالي فميزة بلحسن هي الاستثمار النظيف والعمل في الظل.

بدايات صناعة الثروة

الحاج محمد بلحسن نزل إلى سوس خلال الأربعينيات من القرن الماضي، لا نعرف السنة بالضبط، فهو ينتمي إلى أسرة ممتدة في دوار “أسدرم” بآيت عبلا، له أربعة إخوة، كان والده يملك قطعانا من الماشية على غرار باقي الأسر في الجبل، فكما رأينا أعلاه؛ فالسكان كانوا يمارسون التجارة والاستغلال المنجمي وأيضا تربية الماشية، وعبر هذه الأخيرة أيضا يتعلمون التجارة، وقد يمارسون الترحال في الجبال، خاصة أن المنطقة مشهورة بوجود ظاهرة “العزيب”.

الحاج محمد الشاب فطن مبكرا للتغيرات الاقتصادية والمجالية والإيكولوجية التي طرأت في المنطقة بفعل دخول الاستعمار وتبدل الأحوال والأسواق ودخول الآلة، وشق الطرقات وسيادة الأمن وبروز المدن الصناعية في السهول والسواحل وتطور التجارة بتطور السلع وسرعة انتشارها. لذلك، نزل إلى مدينة أكادير واشتغل في التجارة كباقي أبناء البوادي في دكان صغير، ثم انتقل بسرعة إلى ممارسة مهنة توزيع بعض المواد الأساسية خاصة “زيت الزيتون” (زيت العود)، وكان في الخمسينيات يتلقى كميات كبيرة من الزيت من التاجر السوسي عابد أكنيظيف ويقوم بلحسن بتوزيعها في أكادير وأحوازه بدراجة نارية، ثم تطور وكبرت شبكة علاقاته مع التجار الأمازيغ واليهود والفرنسيين، واستطاع شراء رخصة بيع زيت “واد سوس” من تاجر ينتمي إلى إغرم ويقطن في هوارة يدعى أبو القاسم.

مجموعة بلحسن الاول للاخبار

في هذه الفترة التي لا نملك فيها معطيات كثيرة عن الحاج محمد إلا أنه اشتهر بالعمل الجاد والصبر واكتسب ذكاء خارقا في التعامل التجاري وحسن التدبير والاستثمار، فكان في بدايته لا يصرف أمواله في بناء المنازل في الجبل كما فعل أقرانه الذين تنافسوا في بناء المنازل للتفاخر والتنافس بينن التجار المهاجرين (انظر شهادة الحاج إبراهيم سيرة تاجر أمازيغي)؛ فالحاج محمد ركز بشكل كبير في بدايته الأولى على تراكم رأسماله وتوسيع شبكته التجارية والفوز برخص توزيع سلع ومواد غذائية ازداد عليها الطلب والاستهلاك في تلك المرحلة كالمواد الغذائية والمشروبات الغازية.

توسيع مجالات الاسثمار

من توزيع زيت الزيتون “العود” إلى الاشتغال مع “لوسيور” زيت المائدة، ثم توزيع المشروب الغازي “بيبسي” وغيرها. وبعد زلزال أكادير سنة 1960، توسعت ثورة بلحسن مستفيدا من إعادة الإعمار اجتماعيا واقتصاديا واستثماريا.

وكان بلحسن من الناجين القلاقل من تلك الفاجعة الأليمة، بفعل علاقاته التجارية الكبيرة في مدينة أكادير وأحوازها، فإنه تنبه بقدوم الفاجعة ربما عن طريق جلساته مع الفرنسيين والتجار الأجانب الذين انتبهوا إلى الهزات التي وقعت قبل ليلة “الخراب الكبير”، حسب ما يروى أن العديد من الساكنة فروا من المدينة مباشرة بعد الهزة الأرضية التي وقعت في صبيحة ذلك اليوم، ومنهم من نصحوا معارفهم وجيرانهم بضرورة مغادرة المدينة، وهو ما حصل مع الحاج محمد الذي فر مع أبنائه إلى خارج المدينة، ربما إلى هوارة.

الحاج محمد كسب، خلال الستينيات، تجربة كبيرة وانتقل من التوزيع إلى التصنيع. وبذكائه التجاري الثاقب وحدسه القوي في فهم وإدراك مستقبل الاستثمار الصناعي ومعرفته التامة بتفاصيل وصراع المنافسة بين الماركات التجارية، فقد تفاوض مع شركة كوكاكولا للظفر بصفقة الإشراف على تصنيعها وتوزيعها في الجنوب مقابل التخلي عن علامة “بيبسي”، ونجح في ذلك سنة 1971، وبدأ في معمل صناعة المشروبات الغازية “كوكا” بإمكانيات بسيطة وبعدد قليل جدا من المستخدمين، ثم تطورت بشكل مهول مع مرور السنوات، وأصبحت اليوم تحتكر كل أسواق الجنوب من منطقة أسراتو قرب إمي نتانوت إلى مدينة الگويرة؛ فقد استفاد كثيرا من مغربة الشركات الفرنسية، وقام بشراء الأصول التجارية، وخلق شركات ومعامل خاصة به، انفصل عن لوسيور التابعة للهولدينغ الملكي ONA وأسس شركة “لوسرا”، ودخل في منافسة مع المخزن الاقتصادي.

وفي سنة 1977، اشترى “شركة زيت الزيتون واد سوس”، وهي التي بدأت منذ سنة 1948، وهي الشركة التي طورها بلحسن بشكل منقطع النظير، وأصبحت اليوم أضخم شركة في المغرب لصناعة وإنتاج الزيوت، وأكبر شركة مصدرة للزيوت بالمغرب ولم تستطع الشركات الأخرى منافستها بالرغم من التطور الحاصل في صناعات وإنتاج الزيوت، إلا أن مجموعة بلحسن واكبت هذا التطور بتراكم التجارب ومواكبة مستجدات التكنولوجيا الصناعية في هذا القطاع، وأسست المجموعة معامل كبرى في كل من أكادير وعين تاوجطات وفاس.

مجموعة بلحسن الاول للاخبار

بلحسن معروف أيضا بالاستثمار في صناعة تصبير السمك والصناعات التحويلية للمنتوجات البحرية، وهو القطاع الذي بدأ من الثلاثينيات في مدينة أكادير وانتشر فيها بعد الحرب العالمية الثانية، واستفاد بلحسن من سياسة المغربة واقتحم هذا المجال في سنة 1963 باسم شركة التصبير واد سوس، وانتشرت معامل بلحسن في كل من أكادير وطانطان والداخلة، وتفرعت منتجاتها في تصبير المنتوجات البحرية، كالأسماك السطحية والتونة ودقيق الأسماك وزيوتها، الذي يستعمل في صناعة الأعلاف وغيرها، هذا الأخطبوط الصناعي الكبير في قطاع تصبير الأسماك تحول في سنة 1999 إلى “المركب الصناعي بلحسن” CIBEL.

مجموعة بلحسن الصناعية

اقتحمت مجموعة بلحسن تصنيع وإنتاج العديد من الماركات والمواد الغذائية الأساسية والمشروبات الغازية؛ مثل كوكاكولا، وزيت واد سوس، وليو، ولوسرا، ومعجون الطماطم، والشاي، والقهوة، وإنتاج البرتقال، والصوجا، والزبدة، ومؤخرا تم افتتاح معمل كبير لصناعة البلاستيك في مدينة أكادير، وبالتالي أضحت مجموعة بلحسن من أضخم المجموعات الاقتصادية الصناعية الكبرى في المغرب.

ولم تنفتح المجموعة على الاستثمار العقاري إلا بشكل محتشم في السنوات الأخيرة، حيث بدأت المجموعة تستثمر في العقار والسكن. كما أنه استثمر في الفلاحة أيضا بامتلاكه ضيعات كبيرة في منطقة هوارة، ويقال إنه بالرغم مما راكمه الحاج محمد في التجارة والصناعة فإنه ألح أن تكون إحدى ضيعاته الفسيحة مرتعا لقطعان من الماشية من الماعز والغنم.

مجموعة بلحسن الاول للاخبار

المقاولة العائلية لدى بلحسن

الحاج محمد بلحسن يشتغل بنظام “تيوزي”؛ فقد سهر على خلق منظومة إنتاج “عائلية مغلقة” تنتمي إلى نفس قبيلته “آيت عبلا”، أدمج إخوانه وأبناءهم في مشروعه، تزوج من عائلة الباعيسي من دوار “تيزي إمليل” واندمجت العائلة في المشروع الاقتصادي والصناعي، وزوّج ابنته للحاج أوباري من دوار “بوكوزول” الذي أصبح هو الآخر قطبا صناعيا داخل المجموعة، فكلما يكبر المشروع الاقتصادي لبلحسن إلا وتكبر معه هذه الشبكات العائلية المتداخلة التي تنتمي إلى القبيلة نفسها، وأصبح القطب الصناعي يتشكل من المثلث أسدرم وتيزي ن امليل وبوكوزول.

وهذه الخطاطة رسمها بعناية الحاج محمد بلحسن، فلم يسع يوما إلى ربط علاقات مصاهرة مع بيوتات فاس على شاكلة بعض السوسيين في البيضاء ومراكش وطنجة وحتى في أكادير، بل كان حريصا على الحفاظ على البنية “العائلية الأمازيغية الممتدة” في مجال الاقتصاد والاستثمار.

توفي الفقيد أحمد أمسروي بلحسن يوم الأربعاء 28 أكنوبر 2020، بالعاصمة الفرنسية، إثر صراع مع مرض عضال، عن عمر يناهز 64 سنة.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.