يبدو أن التنبيهات الصحية التي تصدرها الهيئات الأوروبية بشأن المنتجات الزراعية والغذائية، والتي تفترض أن تكون أداة لحماية صحة المستهلك الأوروبي، قد تحولت إلى سلاح اقتصادي ذي حدين، يؤثر سلبا على التجارة الدولية وعلى ثقة المستهلك الأوروبي نفسه.
هذا ما كشف عنه معهد “كورديناكوس” للحوكمة والاقتصاد التطبيقي، محذرا من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للاستغلال المفرط لهذه التنبيهات، خاصة تجاه المنتجات القادمة من شمال إفريقيا.
بحسب التقرير الأخير للنظام الأوروبي للإنذار السريع للأعلاف والأغذية، شهد عام 2024 تسجيل 5364 إخطارا صحيا، معظمها استهدف منتجات مستوردة من شمال إفريقيا، بما فيها المغرب. اللافت أن المعهد وصف هذه التنبيهات بأنها في أغلبها “غير مبررة أو ذاتية”، مما يطرح تساؤلات حول مصداقيتها وأهدافها.
ما يزيد الشكوك هو ما توصل إليه المكتب الوطني للسلامة الصحية في المغرب، حيث خلص التحقيق في مزاعم وجود فيروس التهاب الكبد “أ” في شحنة فراولة مغربية موجهة إلى إسبانيا إلى عدم صحة الادعاءات، وأكدت الاختبارات سلامة مياه الري والفراولة، ما يعكس التزام المغرب بمعايير الجودة التي يحددها الاتحاد الأوروبي نفسه.
يشير التقرير إلى أن الإفراط في إصدار التنبيهات الصحية له تداعيات خطيرة تمتد من التأثير السلبي على سمعة الشركات المصدرة، إلى زعزعة استقرار السوق الأوروبية برمتها، فالنتيجة الحتمية لهذا الوضع هي ارتفاع الأسعار، تقليص حجم الواردات، وانخفاض الإنتاج، مما يُثقل كاهل المستهلك الأوروبي ويفتح الباب أمام أزمات اقتصادية محتملة.
الأمر لا يقتصر على المستوردين فقط، بل يمتد ليشمل المستهلك الأوروبي نفسه الذي يجد نفسه في مواجهة معضلة ارتفاع الأسعار وتقليص الإمدادات الغذائية، وبالنظر إلى دور الاستثمارات الأجنبية في تعزيز النمو الاقتصادي والاجتماعي في دول الاتحاد الأوروبي، فإن توجيه الاتهامات غير المبررة للمنتجات المستوردة يقوض مناخ الاستثمار ويفتح المجال أمام خسائر اقتصادية محتملة.
من الواضح أن التنبيهات الصحية، وإن كانت أداة ضرورية لضمان جودة المنتجات وحماية صحة المستهلك، قد تتحول إلى سلاح سياسي واقتصادي يُستخدم لفرض ضغوط على الدول المصدّرة.
وقد أشار التقرير إلى أن بعض الجهات التي “تدعي مراقبة جودة المنتجات” تصدر تقارير غير مبنية على أسس علمية، ما يؤدي إلى زعزعة ثقة المستهلك الأوروبي في نظامه الغذائي، إضافة إلى الأضرار الاقتصادية التي تلحق بالشركات المصدّرة.
في ظل هذا الوضع، تبرز أهمية تعزيز الشراكات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي ودول شمال إفريقيا، بما يخدم المصالح المشتركة، فالدول المصدرة، مثل المغرب، تلعب دورا أساسيا في تلبية احتياجات السوق الأوروبية من المنتجات الزراعية والغذائية، مع الالتزام بأعلى معايير الجودة.