الصديق معنينو
ملاحظة: تحرينا في جريدة الأول للأخبار نشر مقال الاعلامي القدير الصديق معنينو كما توصلنا به منه دون تصرف ودون تحليل نظرا لأهميته التاريخية.
في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في أگادير اجتمع حشد غفير لتكريم الأستاذ عمر عبدو، أحد الأساتذة البارزين في ميدان الإعلام… الرجل كان وراء إحداث أول “ماستر للإعلام” وتخرجت على يديه عدة أفواج من الصحافيين يوجدون اليوم في التلفزات والإذاعات والمواقع… عدد من الخرجين نالوا شهادة الدكتوراه وأصبحوا أساتذة جامعيين… جل هؤلاء حضروا إلى جانب عمداء وأساتذة وطلبة.
حفل تكريم
كنت قد تعرفت على عبدو حين دعاني قبل عدة سنوات وهو في السنة الأولى من تجربة كان الكثيرون يتابعون مراحلها… ونظرا لأني ساهمت في التأطير والتدريب شرفوني بأن يحمل الفوج الأول إسمي…
قلت للحضور بعد التنويه بالمكرم ووصفه بـ”المناضل الإعلامي”… قلت… “الإعلام في بلادنا يجتاز مرحلة دقيقة خلالها تحتضر الصحافة الورقية والمواقع في حرب مع التفاهة والأخبار الكاذبة… قلت بأن الدولة بذلت جهوداً كبيرة لكن على الصحافيين أن يأخذوا بزمام الأمور وألا يظلوا عالة على الدولة تدفع رواتبهم ومصاريف قطاعاتهم… أكدت أن هذه الوضعية تفقدهم المصداقية وتبعدهم عن المهنية وتجعلهم أصواتا متشابهة”.
واحة خضراء
كلية الآداب واحة خضراء وسط مدينة كانت تشكو من العطش… عندما عبرت عن ارتياحي للحفل وكثرة الحضور سألت العميد… كيف هي الأحوال؟ أخذني فوراً إلى بناية ضخمة تجولت في أرجائها. إنها “مركب البحث العلمي للعلوم الإنسانية والاجتماعية” هي أول تجربة مغربية في هذا المجال… قال لي.. “انتهى البناء وسيبدأ التجهيز… هنا سيسهر الباحثون من مستوى الدكتوراه على الدراسة والتأمل.. هناك سبع عشرة وحدة للبحث وكل واحدة تتألف من عدة قاعات”… سعدت بالمشروع لأن البحث العلمي هو الجانب الضعيف في جامعاتنا مما يجعلها تصنف في مراتب متأخرة…
بعد ذلك زرت “تيفي كلية” وهي وحدة مكونة من استوديو تلفزي مهني مع كل لوازمه إلى جانب قاعات للاجتماع والإعداد… استطاعت هذه الوحدة التلفزية الفريدة من مواجهة جائحة كورونا وتمكنت من تسجيل وتوزيع الدروس على الطلبة وهي اليوم تنتج برامج ولقاءات وحوارات… هي مشتل للإبداع
وولوج عالم الإعلام البصري.. في هذه الكلية أربعة وعشرون ألف طالب وطالبة… كان المألوف هو تخرج خمسة دكاترة في السنة.. لكن سنة 2023 ستظل استثنائية إذ حصل مائة وعشرون طالبا على شهادة الدكتوراه.
صومعة غريبة
أخذني المكرم في جولة عبر أكادير التي زرتها أول مرة سنة 1962… كانت عبارة عن جبال مكدسة من الحجارة وأعمدة الإسمنت المتهاوية جراء الزلزال… أگادير اليوم من المطار إلى وسط المدينة وعلى طول خمسة وعشرين كيلومترا كلها بنايات ومرافق وشوارع واسعة نظيفة ومخضرة… أكادير تستعد لاستقبال كأس إفريقيا وكأس العالم لذلك كثرت المشاريع وورشات العمل… أگادير اليوم في مرحلة جديدة من نماءها وتجهيزها بل هناك اجتهاد في بناياتها… مما أثار استغرابي مسجد في طور البناء بأقواس وأعمدة ونقوش غير معتادة…المشكل هو أن الصومعة ُشّيدت بطريقة تجعلك ترى الدرج وهو يلتوي ليصل إلى الجامور.. أگادير تبحث عن التجديد وربما باندفاع لا مبرر له.
إيليغ
أگادير عاصمة سوس منذ القدم… عاصمة سوس الحقيقية هي “إيليغ” التي توجد في جنوب تيزنيت… هذه العاصمة كان لها نفوذ من الصويرة إلى نهر السينغال…. المنطقة إلى جانب أصولها القديمة مرشحة لتكون قاطرة للتنمية الوطنية… إنها تتوفر على طقس جميل للسياحة ومناخ معتدل للفلاحة وبحر شاسع لصيد الأسماك، لكن الأهم هو أن العنصر السوسي جدي ومجتهد ومتضامن… عناصر النجاح إذن متوفرة والدليل أنني لم أصادف طيلة مقامي شخصا يمد يده يطلب الصدقة.
سوق الأحد
الخير في أگادير، والدليل هو “سوق الأحد” وهو أكبر الأسواق المفتوحة على الهواء في شمال إفريقيا وربما في إفريقيا… عندما دخلته من إحدى أبوابه العشرة اندهشت لوفرة المعروضات… أطنان من الليمون والتفاح والطماطم وجبال من الخضر والفواكه… وكلما تعمقت في ولوجه كلما اندهشت لمئات المحلات التجارية التي تعرض السلع المختلفة والمكدسة… وعندما عبرت عن اندهاشي أخذني مرافقي “حسون” إلى “سوق الحرية” الذي بدا لي أكبر من “سوق الأحد”… هذا السوق له طابق مغطى وسيكون من الصعب أن أصف ما يختزنه من السلع، أكاد القول بأن هذا السوق يتوفر على كل شيء لتلبية كافة الطلبات.
في طريق العودة اندهشت لبناية عملاقة على طول عشرات الأمتار… بدت كقلعة رهيبة قال مرافقي… “هذه سوق الجملة وتسمى سوق ثلاث إنزكان… وهي خاصة بالجملة والمعاملات هناك تتم عبر الأنترنيت… والتجار ولجوا عالم المعاملات الإلكترونية”.. اعتذرت عن الزيارة فقد اندهشت في الأسواق العادية، فما بالك عند بائعي الجملة الذين يستجيبون للطلبات الواردة من مختلف أنحاء المملكة…
في المطار
جاء عبدو إلى المطار لتوديعي، شعرت بأن إحالته على التقاعد خطأ، لأن الرجل مازال يتوفر على الوقود الضروري لمواصلة الطريق… مازالت له أحلام ورؤى ومشاريع… تجربة غنية في ميدان هو في أشد الحاجة إلى مهنيين ورواد وموجهين… الطائرة من أكادير إلى الرباط مملوءة عن آخرها ولا توجد بها إلا أجنبيتان فقط والباقي من المواطنين… من ملابسهم ونوعية شنطهم وحقائبهم يبدو أنهم من الطبقة المتوسطة… لقد أصبح التنقل بواسطة الطائرة متاحا وممكناً… هو مغرب جديد برؤية ملكية مستقبلية يرعاها محمد السادس بكرم وعزيمة وثقة… أگادير اندمجت في المستقبل.