الفيلم الهندي “حياة الماعز” ليس مجرد عمل سينمائي عابر، بل هو رحلة درامية تأخذك إلى أعماق الظلم والقهر الذي عاشه عمال هنود في المملكة العربية السعودية خلال فترة بين عامي 1989 و1995، وهو مستوحى من قصة حقيقية، ويحكي الفيلم عن تجربة مجموعة من العمال من ولاية كيرالا، الذين وجدوا أنفسهم عالقين في دوامة من الاستغلال والعبودية بعد وصولهم إلى السعودية بحثا عن حياة أفضل.
تبدأ القصة عندما يصل هؤلاء العمال إلى السعودية ويكتشفون أن كفيلهم الذي وعدهم بفرصة عمل لائقة قد تخلى عنهم، في لحظة مفصلية من الفيلم، يظهر كفيل مسن يأخذ جوازات سفرهم وأوراقهم الرسمية ويقودهم بسيارته إلى قلب الصحراء، هناك، حيث الجفاء والحر القاسي، يبدأ هؤلاء الرجال رحلة من المعاناة لا يمكن تخيلها، حيث يجبرون على العمل كعبيد في رعي الإبل، الحياة التي يجدونها هناك هي أقل من حياة الحيوانات التي يرعونها؛ يأكلون مما تأكل الإبل، وينامون معها، ويتعرضون لشتى أنواع التعذيب النفسي والجسدي.
ما يجعل “حياة الماعز” فيلما استثنائيا هو الطريقة التي يقدم بها معاناة هؤلاء العمال، في مشاهد قوية ومحورية، نشاهد نجيب، أحد العمال، يتعرض للضرب المبرح، ما يدفعه إلى الهروب وسط الصحراء في محاولة يائسة للنجاة، والمشاهد الصادمة لا تنتهي هنا؛ ففي لحظة أخرى، يجد نجيب جثة رجل عجوز تتنازعها النسور، مما يعكس قسوة العالم المحيط به.
الفيلم لا يقتصر على سرد معاناة هؤلاء العمال، بل يغوص في عمق فلسفة الإيمان والصمود، الشخصيات مثل إبراهيم وحكيم ونجيب تجسد إيمانا راسخا وصمودا مذهلا أمام المحن، هذا الإيمان يتجلى في كل خطوة يخطونها، وكل قرار يتخذونه، وكأنهم يستمدون قوتهم من إيمان داخلي عميق بأن الله لن يخذلهم.
الموسيقى والتصوير السينمائي في “حياة الماعز” يساهمان في تعميق التأثير الدرامي للفيلم، الموسيقى، التي تتداخل مع مشاهد الصحراء الشاسعة والقاسية، تخلق شعورا بالضياع والعزلة، بينما تعكس السردية المتقنة فلسفة مولانا جلال الدين الرومي، التي تبرز في لحظات التأمل والصراع الداخلي.
أحد الشخصيات التي تترك تأثيرا كبيرا في الفيلم هو الرجل الإفريقي “إبراهيم قادري” الذي يظهر وكأنه قديس أو روحاني، رمزيته تتعزز من خلال تصرفاته وكلماته التي توحي بالحكمة والصبر، هذا الإيمان الصلب والمتمسك بالقيم الدينية يمنح هؤلاء العمال نوعا من السكينة التي تساعدهم على تحمل الألم.
وفي اللحظة التي يموت فيها حكيم، تتجلى وحشية العالم من حولهم، لكن، في نفس الوقت، يبرز الإيمان كطريق للنجاة، حيث يظل إبراهيم ونجيب متمسكين بصلابتهم الروحية رغم كل ما واجهوه من قسوة، وهذا الفيلم ينتهي بقصة هروب مثيرة، حيث يتم تصوير لحظات الهروب بطريقة تجعل المشاهد يشعر وكأنه يعيش هذه التجربة بنفسه، مع كل خطوة يخطوها هؤلاء العمال نحو الحرية، تزداد حدة التوتر وتعمق الفلسفة الدرامية التي تميز الفيلم.
“حياة الماعز” ليس مجرد فيلم يروي قصة عمال يعانون في ظروف قاسية، بل هو تأمل عميق في طبيعة الظلم والإيمان والصمود، إنه دعوة للتفكير في مدى قوة الإيمان كوسيلة للنجاة في مواجهة أقسى الظروف، يخرج المشاهد من الفيلم وهو يشعر بثقل الواقع الذي قدمه، ولكنه يدرك في الوقت نفسه أن الإيمان هو الطريق الوحيد للنجاة، حتى في أحلك الظروف، كما أنه لا ينكر أن العبودية كانت ولاتزال في عدد من هوامش السعودية، التي تتخد من القادمين من الهند كمثال لا الحصر عبيدا يشتغل دون حقوق ويعذب.