“سبع وجهات نظر علمية” لظاهرة بوجلود للأستاذ محمد أقديم

ككل سنة، عمت احتفالات عيد الأضحى المبارك عموم قرى ومداشر ومدن جهات سوس ماسة وكلميم واد نون ودرعة تافيلالت، وهي احتفالات قد تستمر لأسابيع خصوصا وأنها فرصة سنوية يجتمع فيها ساكنة المنطقة من مقيمين ومهاجرين بعد سنة من العمل المتواصل بالمدن الكبرى داخل وخارج أرض الوطن الوطن، هذه الاحتفالات تبرمج فيها المواسم الدينية والأعراس ودوريات كرة القدم واحتفالات بوجلود بيلماون، هذه الأخيرة تنشط أكثر بمناطق سوس وخصوصا بعمالات انزكان ايت ملول وأكادير اداوتنان واشتوكة أيت باها وتزنيت، ومؤخرا أخذت تأخذ طابعا استعراضيا وكرنفاليا، انخرطت فيه الجمعيات والجماعات الترابية، كما عرف أيضا بعض الممارسات الشاذة سواء في طريقة وضع مساحيق الوجه أو في اختيار وجوه الأقنعة أو حتى في بعض الاعتداءات الاجرامية التي تحدث هنا وهناك.

وسط انقسام الشارع بين مؤيد ورافض لهذه الطقوس التي وصفها البعض بأنها دخيلة على المجتمع المغربي الأمازيغي وأنها تدعو للمثلية وللماسونية وغيرها من الأحكام، قام الأستاذ محمد أقديم، الباحث في التراث والتاريخ بعملية تأصيل عملي لهذا الموروث، وقدم تلخيصا مقتضبا عنها في تدوينة له على صفحته بموقع الفيسبوك، أحببنا في جريدة الأول للأخبار أن نقوم بإعادة نشرها لأهميتها، وهذا نصها:

 

وجهة نظر حول ظاهرة “بوجلود- بيلماون”
– أولا : هناك دراسات في بعض المجالات المعرفية تناولت هذه الظاهرة الاحتفالية والفرجوية بالبحث والدراسة، ومنها:
– دراسات للانثروبولوجي الاسكاندينافي إدوارد ويسترمارك في نهاية القرن 19م. مثل ”الطقوس والمعتقدات بالمغرب( Ritual and Belief in Morocco. ) ومراسيم الزواح بالمغرب(Marriage ceremonies in Morocco).
– كتاب الإثنوغرافي الفرنسي أوجست مولييراس ( المغرب المجهول Maroc Inconnu) حول استكشاف شمال المغرب(الريف وجبالة).
– كتاب الاثنولوجي الاستعماري الفرنسي إدموند دوطي(الدين والسحر في شمال إفريقيا. Magie & religion dans l’Afrique du Nord ). في نهاية القرن 19م
– دراسة مهمة وشاملة وعميقة للأنتروبولوجي المغربي عبد الله حمودي في كتابه “الضحية وأقنعتها”(La victime et ses masques. Essai sur le sacrifice et la mascarade au Maghreb) ، وهي دراسة ميدانية(منطقة إمليل باقليم الحوز) و هي كذلك نقدية للخلفيات النظرية والايديولوجية والاستعمارية لطروحات ويسترمارك ودوطي، وقد شكّلت حدثا ثقافيا بالجامعة المغربية عند صدورها في منتصف الثمانينيات الماضية.
– دراسة للناقد والباحث في الثقافة الشعبية حسن البحراوي في “المسرح المغربي :الأصول السوسيوثقافية”
– دراسة عبد الغني منديب في “الدين والمجتمع : دراسة سوسيولوجية للتدين بالمغرب”
– عبد الله المعاوي في مسرحية “بوجلود”
– مقالة لسالم كويندي في “المسرح والانثروبولوجيا”. (أعمال ندوة).
– دراسة جامع بنيدير حول ظاهرة “إيمعشار” بتيزنيت، وظاهرة “إيمعشار” تشبه الى حد ما ظاهرة بوجلود، وتقام بمناسبة عاشوراء. وهي دراسة قيّمة جدّا.
ثم هناك العديد من المقالات حول الموضوع، وبالتالي فمصدرها وحتى تاريخها معروف لدى الدارسين والباحثين والمهتمين. و(بيلماون) كظاهرة فرجوية تاريخية وواقعية وليس تاريخية فقط.
سبع وجهات نظر علمية لظاهرة بوجلود للأستاذ محمد أقديم
– ثانيا : ظاهرة بوجلود أصيلة وليست دخيلة على الثقافة المغربية، كما يتوهم ويدعي البعض ويسعى لإيهام الناس بذك، وإذا كانت دخيلة، فمما لا شك فيه أنها ستكون مرتبطة بعنصر بشري دخيل عن المغاربة كذلك، ولن تكون مرتبطة بالسكان الاصليين في المغرب الأمازيغ والشلوح على وجه الخصوص.
– ثالثا : هناك من يذهب به خياله وأوهامه الى ربطها باليهود، لا لشيء سوى أنه يتم تشخيص أدوار لليهود فيها تمثيليا، وهذا ما يشكل الخلفية النظرية والاعتقادية لكلام الذين يهاحمونها بغير فهم وقلة علم ، في حين ان هذه الظاهرة الاحتفالية (بوجلود) لا يحتفل بها اليهود نهائيا وليست من عاداتهم ولا من تقاليدهم، كما أنّ الأدوار التمثيلية لليهود فيها أدوار سلبية، تسيئ لليهود أكثر مما تُحسِنُ إليهم.
سبع وجهات نظر علمية لظاهرة بوجلود للأستاذ محمد أقديم
– رابعا : القول بغرابة “بيلماون” عن الثقافة الاسلامية، أو بالاحرى الثقافات الاسلامية، فليس هناك ثقافة اسلامية واحدة ، بل ثقافات اسلامية متعددة ومتنوعة بتعدد وتنوع الشعوب الاسلامية، ثم إن الجميع يعلم ان تاريخ “الثقافة الاسلامية” بالمغرب لا يتحاوز 13 قرنا فقط، وهذه المدة ليست سوى جزءا من تاريخ طويل وعريق لهذا البلد، تاريخ يتجاوز ما هو مرتبط فيه بالكتابة فقط 3 آلاف سنة، وبالتالي فان “الثقافة الاسلامية” بدورها كانت دخيلة على المغرب ثم تأصلت، والجميع يعلم بان القرآن لم ينزل بجبل طوبقال أو صاغرو، ولا النبي محمد صلى الله عليه وسلم بُعِث في قبيلة أيت سغروشن أو أيت حدو يوس أو أيت ورياغل، وانما وصل الاسلام الى هذه الربوع عبر التوسع والفتوحات، واعتنقه المغاربة تدريجيا عبر 5 قرون، والاسلام لما دخل هذا البلد لم يجده قاعا صفصافا من الناحية الثقافية وأرضا خالية ديموغرافيا، بل وجد شعبا له ثقافات وحضارة وتقاليد وعادات، منها ما تخلى عنه المغاربة طوعا وتدريجيا بعد اعتناقهم للدين الجديد، ومنها من العادات والتقاليد ما تمت أسلمته وتهذيبه وتشذيبه لينسجم مع الدين الجديد، ومنها ما انسجم مع الاسلام ولازال مستمرا الى اليوم، ولعل “بوجلود” من التقاليد الاحتفالية والفرجوية التي تمت أسلمتها، ولذلك استمرت عبر عشرات القرون، بل وتم ربطها بإحدى أهم المناسبات الدينية والاحتفالية لدى المسلمين وهي عيد الأضحى، المرتبط بدوره بأحد أركان الاسلام(الحج)، بما هو أحد الاركان التي تشكل قناة للتواصل والاحتكاك والتعارف والتثاقف بين المسلمين من كل بقاع الارض بمختلف ثقافاتهم وعاداتهم، وفي احترام تام لخصوصياتهم وتنوعهم.
سبع وجهات نظر علمية لظاهرة بوجلود للأستاذ محمد أقديم
– خامسا : هناك ظاهرة مماثلة لها تحتفل بها بعض القبائل العربية، وتسمى ب”بولبطاين” و”هرّمة”، نسبة المرأة المسنّة الهرمة.
سادسا: تتميز ظاهرة بوجلود بكونها ظاهرة محلية وقروية بامتيّاز، حيث تختلف في مكوناتها ومشاهدها الفرجوية من منطقة إلى منطقة ومن قبيلة إلى قبيلة، إلى درجة أن هذا الاختلاف يجعلها لا تشترك إلّا في الاسم، وفي ارتباطها بعيد الأضحى وعشوراء أحيانا. ولذا فما يُلاحظ مؤخرا من محاولات تَمْدينِها أو بالأحرى تنميطها وفق قالب احتفالي وفرجوي واحد وموحّد، سيقضي على غناها الثقافي، المتمثل في الخصوصيات المحلية لهذه الظاهرة، كما انّ العمل على كرنَفَلَتها (carnavaliser) باستيراد أنماط استعراضية(أمريكولاتينية) غريبة على الأوساط الاجتماعية والثقافية التي نشأت فيها، سيُفَلْكْلِرُها ويُبيدَ جوهرها الثقافي ويُبقي على مظاهرها الكرنفالية الغريبة.
سبع وجهات نظر علمية لظاهرة بوجلود للأستاذ محمد أقديم
– سابعا: لا اعتبار بما يعتري ظاهرة “بوجلود” حاليا من بعض السلوكات، التي قد تبدو مخلة للآدب ومنحرفة أو هي كذلك، لانها قد تكون طارئة على هذه الظاهرة الاحتفالية، وليست أصيلة فيها، وبالتالي لا يمكن أن تكون مبررا لنعتها بالدخيلة والشيطانية والوثنية والصهيونية، كما لا يجب ان تكون مبررا للدعوة لإلغاءها ولمنعها، مع العلم ان الانحرافات تطال جميع السلوكات والمعتقدات البشرية، بما في ذلك الأديان والعبادات، وليس الظواهر الاحتفالية فقط، وهذا ما كان ويكون موضوعا للدعوات الإصلاحية، ولم يسبق أن كانت الانحرافات التي تطال الاديان والمجتمعات سببا للدعوة الى إلغاء الاديان نهائيا، وعليه يجب ان يكون ما قد يبدو انحرافا في هذه الظاهرة الفرجوية حافزا على تطويرها، والارتقاء بها، وخاصة وأن التنوع والاختلاف الذي يعرفه الاحتفال بهذه الظاهرة في مختلف مناطق المغرب، يكشفان أنها ظاهرة حيوية تتكيف مع كل المستجدات، ومتنوعة ومرتبطة بالخصوصيات الثقافية لكل منطقة، وتستوعب كل امكانيات التطوير والتحسين والتجويد.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.