يونس قريفة — ومع
على بعد أيام قليلة من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية، المزمع تنظيمها يوم 14 ماي الجاري، يحتدم السباق الانتخابي بين المرشحين الأربعة الذين يحاولون جاهدين كسب أصوات الناخبين. ويستأثر ملف اللاجئين السوريين بحيز مهم في الحملات الانتخابية، لاسيما لدى المعارضة، حيث يبدي الأتراك اهتماما واسعا بهذه القضية التي طالما شكلت موضع نقاش حاد داخل المجتمع التركي.
ومنذ اندلاع الحرب الأهلية السورية سنة 2011، تستقبل تركيا على أراضيها ما يفوق 3,6 مليون من اللاجئين السوريين، موفرة لهم وضع الحماية الإنسانية المؤقتة التي تمكنهم من العمل والدراسة والاستفادة من جميع الخدمات الاجتماعية. إلا أن الأتراك لم يعولوا على مكوث هؤلاء اللاجئين قرابة 12 سنة، وأصبح وجودهم نقطة تشنج وتوترات كبيرة داخل تركيا، وملفا ساخنا عند أي موعد انتخابي.
وفي ظل التحديات الاقتصادية التي تشهدها تركيا، من ارتفاع معدل التضخم (الذي يقارب حاليا 50 في المائة، بعد أن بلغ 90 في المائة عند متم العام الماضي)، وتراجع العملة الوطنية أمام الدولار الأمريكي، شهدت الساحة السياسية والإعلامية ارتفاعا في حدة الخطاب اليميني المناوئ للاجئين السوريين.
هكذا، لا يتردد كمال كليتشدار أوغلو (74 عاما) ، مرشح “تحالف الأمة” المعارض ورئيس حزب الشعب الجمهوري، والمنافس البارز لرجب طيب أردوغان في انتخابات 14 ماي، في التعهد بإرسال جميع اللاجئين السوريين إلى بلادهم في غضون سنتين، إذا تم انتخابه رئيسا للبلاد.
وخلال مهرجان انتخابي في ولاية إسكي شهير، الأسبوع الماضي، قال كليتشدار أوغلو “ماذا يفعل أكثر من 3,6 ملايين سوري في بلادنا ؟ وأبناؤنا لا يجدون وظائف”، متسائلا “لماذا لا يتم حماية حدودنا ؟”.
ولم يوضح مرشح المعارضة البارز، والذي يحصل في مختلف استطلاعات الرأي على ما بين 45 إلى 50 في المائة من الأصوات، كيفية تنفيذ مخطط ترحيل السوريين، لكنه حذر من تزايد العنصرية تجاههم، وأكد أنه سيضمن لهم عودة آمنة إلى سوريا، وأن تركيا “ستبني لهم الطرق والمدارس بتمويل من الاتحاد الأوروبي”.
ويتضمن البرنامج الانتخابي لكليتشدار أوغلو، وهو البرنامج المشترك لستة من أكبر أحزاب المعارضة التركية، التي قدمت لأول مرة في تاريخها مرشحا واحدا، التفاوض مع النظام السوري بشأن عودة اللاجئين، إلى جانب مراجعة اتفاقية اللاجئين مع الاتحاد الأوروبي وإبرام اتفاقيات لإعادة اللاجئين مع دول ثالثة، وتعزيز مراقبة المعابر الحدودية وبناء جدران لمنع الهجرة غير النظامية إذا لزم الأمر.
ومن جانب اليمين المتطرف، يعتبر ملف اللاجئين السوريين ورقة ثمينة لا يمكن الاستغناء عنها لكسب ناخبين جدد وتعزيز نتيجة مرشحهم، سنان أوغان، في اقتراع 14 ماي، على الرغم من حظوظه الضئيلة في الفوز (ما بين واحد و 2,5 في المائة من الأصوات وفقا للاستطلاعات).
واستفاد أوغان، مؤخرا، من حادثة قتل مؤسفة لمواطن تركي على يد لاجئ سوري، حيث زار المرشح الرئاسي عن تحالف (آتا) القومي اليميني، أسرة الضحية وقال لهم أمام أعين الكاميرات “أعدكم بأننا سوف نعيد السوريين في أسرع وقت ممكن (…) لن نسمح بقتل تركي آخر على يد سوري”. وهو التصريح الذي اعتبره عدد من المراقبين يساهم في تأجيج مشاعر الكراهية ضد اللاجئين السوريين.
وسنان أوغان (55 سنة)، الذي كان مقربا من تنظيم “الذئاب الرمادية” المتطرف، معروف بعدائه للاجئين عموما والسوريين خصوصا، ويتعهد في برنامجه الانتخابي بـ “حل المشاكل الديموغرافية التي سببتها هجرات الشعوب الأخرى باتجاه تركيا”، وعودة السوريين إلى بلادهم.
نفس الوعد يتقاسمه المرشح الثالث، محرم إنجه (عن حزب البلد)، لكن دون التحريض العنصري لأوغان، حيث كشف في تصريح صحفي عن نيته لقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد فور فوزه بالرئاسة (رغم أن استطلاعات الرأي تقدر نتيجته في حدود 5 في المائة أو أقل)، وتعيين سفير لأنقرة في دمشق وإعادة اللاجئين السوريين إلى موطنهم.
وأوضح إنجه (59 سنة)، الذي سبق له أن خسر السباق الرئاسي عام 2018 أمام رجب طيب أردوغان، أنه سيقوم بإعادة كل اللاجئين السوريين “باستخدام الطرق الدبلوماسية”، قائلا “سنعيدهم إلى ديارهم مع الابتسامات (…) لا أحد يقول إننا سنرسلهم بشاحنات إلى الحدود”.
أما بخصوص الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي يسعى إلى الظفر بولاية ثالثة، فيحاول طمأنة اللاجئين السوريين حول مستقبلهم، سيما وأنه هو الذي فتح باب تركيا لاستقبالهم هربا من ويلات الحرب الأهلية، لكنه لا يمكنه تجاهل الشعور العام السائد لدى الناخبين الأتراك، والذين يرفضون استمرار هذا الوضع الذي يدوم منذ أكثر من عقد من الزمن.
وفي مناسبات عدة، أكد أردوغان (69 عاما)، الذي يواجه وفقا للمحللين أحد أصعب الانتخابات في مساره، لاسيما بعد الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب البلاد في فبراير الماضي والانتقادات التي واجهت حكومته خلال الأيام الأولى من الكارثة، واصطفاف المعارضة وراء مرشح واحد، أن تركيا “لن تطرد اللاجئين السوريين الموجودين على أراضيها”، مشددا على العودة “الآمنة والطوعية” للاجئين.
وخلال الأشهر الأخيرة، انخرطت الحكومة التركية تحت رئاسة أردوغان في مسار لتطبيع علاقاتها مع النظام السوري، برعاية موسكو، مع هدف مزدوج يتمثل في العودة الآمنة للاجئين وتأمين الحدود الجنوبية لتركيا. إلا أن المفاوضات تتعثر بين الجانبين، لاسيما حول نقطة الوجود العسكري التركي في الشمال السوري.
ووفقا لآخر استطلاع رأي أجراه مكتب (أوبتيمار)، ونشرته يومية (حرييت) يوم الثلاثاء 02 ماي الجاري، سيحصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على 51,4 في المائة من الأصوات، أما منافسه الرئيسي كمال كليتشدار أوغلو فسيحصل على نسبة 48,6 في المائة.
وتم إجراء الاستطلاع على عينة من ثلاثة آلاف شخص في الفترة من 25 إلى 28 أبريل الماضي.