دعا المشاركون في مؤتمر إفريقي حول سرطان الأطفال بإفريقيا، انعقد أمس الأربعاء بالرباط، إلى العمل من أجل التشخيص المبكر وتوفير علاجات مناسبة وعادلة للأطفال المصابين بالسرطان في القارة، لا سيما المنحدرين من إفريقيا جنوب الصحراء، حيث ما يزال معدل الشفاء دون 20 في المائة.
وأبرز الخبراء، خلال هذا اللقاء الطبي الذي نظمته مؤسسة (Foundation S) والمجموعة الفرنسية الإفريقية لسرطان الأطفال (GFAOP) تحت شعار “سرطان الأطفال في إفريقيا: تحديات وآفاق وحلول”، أن سرطان الأطفال ليس مصيرا حتميا أو مرضا مستعصيا، غير أنه يستلزم، بالأساس، رعاية جيدة، وتشخيصا مبكرا، وتعزيز المنظومة الصحية، مشيرين إلى أن هذه التدابير تعتبر المرتكزات الأساسية لمكافحة المرض في إفريقيا، لا سيما منطقة جنوب الصحراء حيث يظل معدل الشفاء دون الـ20 في المائة.
ونبه المتدخلون في هذه التظاهرة العلمية، التي تندرج في إطار اليوم العالمي لمحاربة سرطان الأطفال، إلى أنه يتم علاج أزيد من 80 في المائة من الأطفال الذين ش خص لديهم السرطان في البلدان ذات الدخل المرتفع، بينما تنخفض هذه النسبة إلى 20 بالمائة في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، داعين إلى إرساء حكامة جيدة للمنظومة الصحية في الصنف الثاني من البلدان.
وفي إفريقيا جنوب الصحراء الناطقة بالفرنسية، يصل 30 بالمائة على الأقل من الأطفال إلى وحدات السرطان في مرحلة جد متقدمة من المرض تحول دون حصولهم على رعاية علاجية، وضمن فئة المرضى في المستشفى، تظل نسبة الشفاء دون 20 في المائة لدى الأطفال.
وتكمن أسباب هذه الفوارق الخاصة بالبقاء على قيد الحياة في عدة عوامل، تتمثل في نقص التكوين وقلة المعلومات عن قابلية الشفاء من السرطان، وصعوبة الولوج لمراكز الرعاية البعيدة، وقلة البنى التحتية غير كافية، فضلا عن التشخيص المتأخر، الذي يجريه 40 في المائة من الأطفال المصابين بالسرطان في إفريقيا جنوب الصحراء.
وبخصوص المغرب، أكدت لطيفة بلكحل رئيسة قسم الأمراض غير المعدية التابع لمديرية علم الأوبئة ومحاربة الأمراض بوزارة الصحة، أن علاج الأورام وطب الأطفال، بشكل خاص، شهد تغييرا من خلال إطلاق المخطط الوطني الأول للوقاية ومراقبة السرطان الذي غطى الفترة ما بين 2010 و2019، والمخطط الثاني الخاص بمرحلة 2020 – 2029، والذي يتم تفعيله في الوقت الراهن.
وأضافت، في السياق ذاته، أن المغرب انضم على نحو تلقائي إلى هذا التآزر والجهود المبذولة على المستويات المحلية والإقليمية والوطنية والدولية لمكافحة سرطان الأطفال، وذلك من خلال دمج المبادرة العالمية التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية وشركاؤها سنة 2018 (المبادرة العالمية لمكافحة سرطان الأطفال لمنظمة الصحة العالمية).
وقد تم، في هذا الصدد، تنفيذ العديد من الإجراءات، لا سيما من خلال إنشاء اثني عشر مركزا إقليميا للأورام تتكفل بمعظم الحالات التي تم تشخيصها لدى الأطفال المصابين بالسرطان، بالإضافة إلى تعزيز قدرات المهنيين الصحيين في التخصصات الأساسية من أجل رعاية جيدة متعددة التخصصات لغالبية الحالات، وكذا من أجل الولوج إلى الأدوية المبتكرة.
من جانبها، دعت رئيسة الجمعية الدولية لأورام الأطفال، الدكتورة جويس بالاغادي كامبوغو، كافة الأطراف المعنية إلى التعبئة من أجل الاعتراف بسرطان الأطفال باعتباره قضية عامة يتعين تظافر الجهود من أجل مواجهتها، في أفق رفع معدل البقاء على قيد الحياة إلى 60 في المائة – على الأقل – لدى أطفال القارة الإفريقية المصابين بالسرطان بحلول 2030.
من جهتها، سجلت رئيسة المجموعة الفرنسية الإفريقية لسرطان الأطفال، البروفيسور ليلى حسيسن، أن هدف المجموعة التي ترأسها يتجلى في تعزيز قدرات عمل الأطقم الطبية من أجل علاج أكبر عدد ممكن من الأطفال المصابين بالسرطان في بلدان إفريقيا الناطقة بالفرنسية بكلفة في المتناول، وكذا في بلوغ نسبة شفاء لا تقل عن 60 في المائة لدى الأطفال الذين يلجون المصالح المختصة في مرحلة مرضية مبكرة بفضل دعم مهيكل.
أما مديرة برنامج سرطان الأطفال في مؤسسة (Foundation S)، إيزابيل فيلاداري، فأبرزت أنه “منذ 2005، تم دعم 83 مشروعا (منها 75 مشروعا وطنيا و8 مشاريع جهوية) في ظل مبادرة (My Child Matters)، بميزانية إجمالية تعادل 8 ملايين أورو”، مبينة أن هذه المشاريع أحدثت وقعا إيجابيا على أزيد من 140 ألف طفل مصاب بالسرطان، فيما استفاد أكثر من 41 ألف من مهنيي الصحة من دورات تكوينية في سرطان الأطفال.
وذكرت فيلاداري بأن مؤسسة (Foundation S) كانت قد أعلنت، في شتنبر 2022، عن دعوة جديدة لتقديم المشاريع، “حيث استجاب للدعوة 60 فريق-مشروع، 24 منها بالقارة الإفريقية”، مضيفة أنه لجنة برنامج “My Child Matters” المكلفة بالانتقاء النهائي للمشاريع ستصدر قرارها النهائي في أواخر شهر مارس 2023.
بدورها، أكدت منسقة برنامج الأمراض غير المعدية في المكتب الجهوي لمنظمة الصحة العالمية لإفريقيا، ديل محمادو إيسيموحا، أن منظمة الصحة العالمية تتعاون مع المجموعة الفرنسية الإفريقية لسرطان الأطفال ووحدات الرعاية في 15 بلدا في إفريقيا الناطقة بالفرنسية، لافتة إلى أن هذا الالتزام يشكل بالنسبة لكافة الفاعلين في مجال طب سرطان الأطفال أداة متميزة ستساهم في تنفيذ المبادرة العالمية لمكافحة سرطان الأطفال بكل نجاح.
ونوهت، إلى جانب ذلك، بالشراكات الميدانية مع المجتمع المدني التي تمنح فرصة لإحراز نتائج هامة ومستدامة، بهدف تحسين بقاء الأطفال المصابين بالسرطان.
وكان هذا اللقاء الطبي مناسبة بالنسبة لمؤسسة (Foundation S) والمجموعة الفرنسية الإفريقية لسرطان الأطفال، من أجل تأكيد التزامهما بالتعاون في مبادرات مشتركة لدعم هدف منظمة الصحة العالمية في بلوغ نسبة بقاء تصل إلى 60 في المائة على الأقل لكافة الأطفال المصابين بالسرطان في القارة الإفريقية، وذلك بحلول 2030.
وقد تم تنظيم جلستين، بمناسبة هذا المؤتمر، قاربتا موضوعي “لماذا لم يعد السرطان أمرا محتوما!” و “كيف يمكن تحسين علاج الأطفال المصابين ودعم أسرهم”.
وتسعى مؤسسة (Fondation S)، الفرع الخيري لشركة سانوفي، إلى بناء مستقبل أكثر صحة للأجيال القادمة. وبفضل منهج “Think & Do Tank”، حيث تتطلع المؤسسة إلى تكثيف الابتكار والتعاون، وكذا دعم المبادرات الملموسة لتحسين حياة الأشخاص من الفئات السكانية الضعيفة في أربع مجالات أساسية، تتمثل في مكافحة سرطان الأطفال، وتعزيز الصمود الصحي للفئات السكانية الضعيفة المعرضة لتغيرات المناخ، والأمراض المدارية المهملة (القضاء على مرض النوم بحلول 2030)، وتوسيع الهبات الإنسانية بالتركيز على السكان النازحين.
أما المجموعة الفرنسية الإفريقية لسرطان الأطفال، التي أحدثت سنة 2000، فساهمت في خلق 24 وحدة مختصة للرعاية في 18 بلدا إفريقيا ناطقا بالفرنسية في المستشفيات العمومية، وتكوين 100 طبيب أطفال و700 من الأطباء والممرضين، بما في ذلك دورات متوجة بشهادة، وكذا في بلورة توصيات علاجية، وفي ولوج أفضل للأدوية، وتعزيز القدرات الطبية وتحسين بيئة الأسر.
وتولي المجموعة الفرنسية الإفريقية لسرطان الأطفال اهتمامها لعلاج الأورام الخمسة الأكثر شيوعا والأكثر شفاء، لاسيما سرطان الغدد اللمفاوية بوركيت وهودجكسن، وسرطان الدم اللمفاوي الحاد بخطر قياسي، والورم الأرومي الكلوي والورم الأرومي الشبكي. وتعالج فرق الشبكة 1500 طفلا وتتطلع إلى علاج 7500 طفل سنويا بحلول عام 2030.