بقلم: مطريب بوشعيب
أيتها المدينة المتمردة … أيتها المدينة الشقية … نهضتك ليست هبة تمنح بالدعاء من السماء ….وإنما هي ابحار بدون سفينة وتذويب لجليد الركود …ان القفز على نكسة المدينة لن يتم إلا بتكنيس لخلافاتنا الداخلية….إلا بتأهيل مدينة الجديدة ببنية تحتية تتسم بالجودة …إلا بإحياء كرامة المواطن الجديدي…المسؤولية تحفنا جميعا ،فهل من انقاذ مستعجل لمدينة التناقضات…استوطن تفكيري وبقوة حالة مدينة الجديدة المتردية ،تيقنت من أمري واستوثقت البحت عن صفة تسد مسد الخبر بما ألت إليه أوضاع الحاضرة الدكالية،فلم أجد إلا مصطلح النكسة…وبعد عملية التركيب كانت النتيجة ” مدينة الجديدة والنكسة ” .
لكن ، أية نكسة يمكن أن نتحدث عنها ؟ وما هي النكسة ؟
ان النكسة من حيث دلالتها اللغوية هي عودة الى المرض بعد الشفاء منه .اذا والأمر هذا فإني أقر أولا وبحكم قيم بأن مدينة الجديدة هي معتلة بالمرض . ورغم التداوي بأعشاب العطار والتظاهر التام بالشفاء إلا أن المرض يعاود المدينة كمتتالية تتابعية ، فما نوعية هذا المرض الذي أصاب المدينة ؟
لا أخفيكم سادتي الكرام فالمدينة استوطنها فيروس نخر بنيتها الاجتماعية ، وسكن اقتصادها ، وسن حمية ثقافية … و حتى سياسية ، فرغم أن جميع التحاليل المخبرية والتشريحية التي خضعت اليها المدينة ، فإننا لحد الان لم نتوصل بالقطع الفصل عن نوعية وفصيلة الفيروس الذي نهش المدينة وجعلها خاوية الوفاض.
فعند جر مفهوم الحضارة لقياس وضع المدينة وضبط مسارها ،فان الأمر يتعلق” بالدافع الحيوي ” نحو صفة تدعى بنُموّ الحضارة، وهي العملية المشبهة بالطاقة الفوارة الكامنة لدى الفَرد والمُجتمع التي تنطلق بغرض التحقيق الذاتيّ…. والغاية هذه لا تنطبق على مدينة الجديدة والحمد لله، فنموها الحضاري في نكوص تام نحو البداوة ، فأنا لا أنقص من البادية والبدو من قيمتهم الحضارية وإنما أجر الامر على الفردانية “والأنانية ” التي ضرب نسجها على التفكير الاجتماعي على ساكنة المدينة …فعملية الانقياد الجماعي الطوعي للساكنة بمنطق تفكير القطيع، هو ما أفرغ التميز” بالمدينة ” وكبل الدافع الحيوي لتطوير المدينة ،وأدى الى امتلاك مفهوم الرضا التام “لجميع الأحوال “….
فإذا ما اعتبرنا النمو بموجهاته العالمية هو مقياس التقدُّم و شكل من أشكال تحدي المدينة لوضعها الراكد ، فالحالة الجديدية لا ينطبق عليها القول، فوضعيتها في سلم التنمية المستدامة لا يتجاوز الحد الادنى من التغطية العامة التي توصي بها المجالس العليا الوطنية ، وخبراء التنمية….
ان الحالة الاجتماعية بمدينة الجديدة وطنت فسيفساء لساكنة غير مختمرة العجينة كفطيرة يابسة الهوامش ، فالأمر هذا يتضح من جانب اللاتناغم واللاتناسق المفضي الى تطوير سلة التنمية المستديمة نحو الحضارة .
أعود مرة ثانية الى مفهوم النكسة في الحالة الجديدية ، فالمدينة تعيش رجة الحداثة /صدمة الحضارة ، فلا نحن مع مقود التحديث وكونيته ، ولا نحن من حراس الاصالة بتقاليدها . اننا نعيش منزلة بين المنزلتين ،حيث نجد أن الماضي نحتفي به ونجله ، ونستغله شر استغلال في الدفاع عن النفس ضد الاخر المجهول… ، ونسبح به بكرة وأصيلا لعل الله يفك علينا نحس زماننا الحاضر.
فعندما نتحدث عن المدينة نمد اليد الى الماضي الذي ما انفك حضوره يمضي عند التفكير الجديدي اننا نمجد مدينة البرتغال لان ماضي المدينة يحكم حاضرها . اما الحاضر فنبخس تجلياته الظاهرة من شدة ضيق الافق الانمائي بالمدينة فضلا عن المعيقات والاكراهات السياسية التي وطأتها تزداد ضغطا واتساعا على المواطن الجديدي البسيط .
الامر ليس بالبساطة التامة كما يبدو ، انها النكسة الحاضرة بفعل توقف عقارب التنمية المحلية ، فالنكسة في بعدها الاصطلاحي تعرف- بضم الحرف الاول – في المعجم الوسيط :
” نُكِسَ الولدُ : خرجت رجلاه قبل رأْسه .
يقال نُكِس الفرسُ : لم يلحق بالخيل في جَرْيها .
ويقال : نُكِس على رأْسِه : رجَع عمَّا عرَفه . ”
فإذا ما وقفنا على المخطط الاستراتيجي لحوض المدينة فإننا نجد خروج ” رجل المدينة قبل رأسها ” فوضعية المدينة من الناحية العمرانية مرسمها تجمع سكاني فقط ليس بينه وبين مفهوم المدينة والتمدن إلا لوحات اشهار بيع الشقق …لا ندري السبب والمسببات ولكن نقر بوجود أياد خفية تعبث بصيرورة تقدم مدينة نحو منعطفات منغلقة الرؤية مما يزكي كبوة فرس المدينة بمقابل مدن وطنية أخرى ..انه حال مدينة قومها نكسوا رؤوسهم عن الجديدة …فإذا كان ” ابن خلدون” قد أقر بتعاقب ثلاث أطوارمتتالية على الامم : من طور البداوة ، الى نقلة طور التحضر ، الى الطور المتمثل في التدهور …فان الجديدة تعيش في الطور الثالث الايل للسقوط نحو فجوة العبثية التخطيطية للمدينة.
“كلشي في الجديدة شاد الأرض ” فمن الرياضة تتعرف على حركية المدينة ، ففي الجديدة الرياضة تحتضر باحتضار الفرق المحلية ،والأزمة سيد الموقف …أحد أعمدة الرياضة بالمدينة أسر الي بالقول أن عملية القتل المتعمد للرياضة بالمدينة مقصودة بعينها ، وبه تصفى الحسابات السياسية والحزبية بالحاضرة الدكالية …فانظر الى الكفاف المالي الذي تعاني منه “بعض الفرق “،فلا المجلس الجماعي للمدينة ، ولا رجال المال بالمدينة …حركتهم الغيرة …بل الامر مستمر الى الضرب تحت الحزام والدفع بالرياضة نحو منحدر الهاوية ….
ان الحالة الاجتماعية بمدينة الجديدة هي المفارقة العجيبة بين عدة مستويات معيشية …والصفة الطاغية هي التفكير البرجوازي للساكنة بينما حالها ينادي الله غالب…..المحاكم قضاياها متعددة، ولتكشف عن الوضعية لحال الساكن قم بزيارة لمحكمة الاسرة وأنت تتطلع عن الوضعية الاجتماعية بالمدينة …
أذكر يوم كانت الجديدة اقتصادها مواردها الاساسية فلاحية …الامر انتهى وانقلب اقتصاد المدينة الى اقتصاد السماسرة …فأينما حللت تجد السماسرة أمامك يبيعونك السراب و”الخواض”….
فإذا كان” ابن خلدون ” يؤكد على أن الإنسان هو صاحب مصيره، وهو المسؤول عنه ، على عكس الحيوانات الأخرى …فإننا بالجديدة لا نملك السلطة الكافية على القرارات مادام المواطن همه الاول تحقيق حاجياته الاساسية للمحافظة على الحياة بالكرامة الدنيا….
لا نجانب الحقيقة اذا قلنا ان الحركة الثقافية بالمدينة في أيدي أمينة من مثقفي المدينة والمجتمع المدني …لكن هذا الامر لا يجرنا الى القول بأن الحركة الثقافية بخير … الامر بين بعوائد الاخفاق الاجتماعي للساكنة وكفافها المادي وانشطاراتها السياسية والمذهبية ، فوائد العوائد الفكرية ربوية على الثقافة بحيث تحجم مساحة التعبير بالمدينة ، وتكبس على الافواه بفعل أمر صه… ثم صه ….
أيتها المدينة الشقية …أيتها المدينة المتمردة …نهضتك ليست هبة تمنح بالدعاء من السماء ….وإنما هي ابحار بدون سفينة وتذويب لجليد الركود …ان القفز على نكسة المدينة لن يتم إلا بتكنيس لخلافاتنا الداخلية….إلا بتأهيل مدينة الجديدة ببنية تحتية تتسم بالجودة …إلا بإحياء كرامة المواطن الجديدي …المسؤولية تحفنا جميعا ،فهل من انقاذ مستعجل لمدينة التناقضات…