همسة.. إلى الذي اعتمد صحفيا لتغطية فعاليات موسم الولي الصالح مولاي عبد الله أمغار نسخة 2023 كيف لك أن تكون ناقدًا؟
بقلم: مطريب بوشعيب
يظن كثيرون أن النقد هو فعالية أو نشاط بلاغي خاص بالأدب والشعر، وصار الناقد هو من يشرح الأبيات ويفسر الأغراض الشعرية ويستظهر المعاني الجليلة ويبين مواطن الحسن والقبح في النصوص. وظهر لنا النقد الانطباعي الذي يثق فيه الناقد بذوقه وانطباعه الخاص ليحكم على العمل الأدبي أو الفني، كما ظهر النقد المنهجي الذي يضع معايير عامة يمكن استنباطها من الأعمال العظيمة وتطبيقها على كل عمل لاحق. هذا الظن الطويل المديد جعل النقد أشبه بالفن الخاص الذي لا يقوى عليه إلا قلة من العلماء والأدباء، بينما هو ــ عند التحليل الأخير ــ نشاط عقلي عام يمتلكه كل إنسان عاقل رشيد. وهذا النشاط أو هذه الملكة ليست خاصة بالأدب والفن، بل إنها تمتد لتشمل كل شيء يعرض لحياة الإنسان، فثمة ظواهر كثيرة؛ اجتماعية أو سياسية أو دينية أو اقتصادية أو سلوكية، من الضروري إخضاعها للنقد العقلاني …فكل إنسان قادر على التفكير والتدبر، هو بالضرورة قادر على النقد والتحليل.
فما هو النقد بالتحديد ؟ هل هو إظهار العيوب ؟ هل هو الوقوف موقفا سلبيا رافضا، فحسب، من كثير من المظاهر الاجتماعية الخاطئة ؟ لو اكتفينا بهذا التعريف لكان في كلامنا قصور وتكلف. لأن النقد الذي يقتصر على إظهار العيوب وكشف الأخطاء أضحى سيئ السمعة، وصار الرجل الذي يكثر اللوم والعتاب يسمى ناقدا على سبيل التهكم والتبرم. إن هناك وظائف أخرى للنقد هي أغنى من مجرد إظهار العيوب، رغم ما في هذه الأخيرة من دور عظيم في تحريك العقول الراكدة وكشف الأخطاء الفادحة. من هذه الوظائف التحليل الوصفي المحايد، الذي لا يعيب ولا يستحسن، أي : النقد المنهجي الذي يحفر في عمق الظواهر حفرا يبلغ به مبلغا لا يصل إليه إلا من هذا السبيل. ومما يمتاز به هذا النقد المحايد هو ــ كما يظهر من اسمه ــ غير متحيز وغير مراع لرضا الناس أو سخطهم . نعم , إنه ينطلق من الشك ومن الارتياب في كل ما قيل ويقال حول الموضوع أو الظاهرة المنقودة . والحفر النقدي هذا يستنطق الظاهرة ؛ أي يجعلها هي تتكلم وتفصح عن نفسها. وماذا سنجد عندما نحفر عميقا في الظواهر الاجتماعية والفنية ونحوها ؟! بالتأكيد أننا سنلتقي هناك بالأسس والأصول الأولى التي غابت عن أنظارنا وتوارت عن حواسنا. وهذه الأسس والأصول مهمة جدا في فهم الظاهرة، لأنها العلة الأولى والجذر الذي يمدها بالحياة ويهيئ لها البقاء والدوام.
إذن فقد عرفنا أن النقد ليس مجرد إظهار العيوب والمحاسن، بل هو تحليل جذري جريء، لا يخشى الملامة ولا يراعي أحدا، وهذا يتطلب الحرية التامة لعمل الناقد , فيا لكم ارتدع ( وارتعد ) الكثيرون خوفا من سخط الناس عليهم؛ ارتدعوا عن قول الحق والإنصاف، وأشهر الناس في وجوههم شعارات وأقاويل باطلة، كأن يقولوا ــ مثلا ــ إن النقد الجذري هذا يثير الفتن، وأن السكوت عن الفتنة خير وأسلم. أما أنا فأقول: إن السكوت عن الفتنة هو، بحد ذاته، فتنة أشد وأنكى. والحرية؛ حرية الرأي والنقد تعني من ضمن ما تعني: الصراحة الفائقة، وحرية نشر ما يصل إليه الناقد من نتائج وآراء، وبثه بين الناس؛ فالدعوة إلى فكرة ما هي حق مكفول لكل شخص ما لم تكن دعوة إلى قتلٍ أو إرهاب..
لاحظت «كل من هب ودب» صار يفتي ويتحذلق وينقد، وأن هيبة العلم قد ضاعت. والحقيقة ــ في تقديري ــ أن في هذه الحذلقة شيئا تنويريا رائعا. فحتى لو كان ما يتحذلق به المتحذلق خطأ صريحا، فإن الشعور العام بالحرية في الطرح والنقد والنقاش سيعود بالنفع على مجتمعنا… فليتكلم من يتكلم كما يشاء، وليتحذلق من يتحذلق كما يشاء؛ فإن الزبد يذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فإنه يمكث في الأرض.