نظم مختبر السيميائيات وتحليل الخطابات الأدبية والفنية، ندوة وطنية حول: “الأدب الشخصي”، يوم الخميس 14 دجنبر 2023، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء.
وقد قام بتسيير الجلسة الافتتاحية الدكتور عبد العالي معزوز، الذي أثنى على تنظيم مثل هذه الندوات، وأعطى الكلمة الرئيسية الأولى، لعميد كلية الآداب والعلوم الانسانية بنمسيك، الدكتور رشيد الحضري، الذي أشاد بدوره عن أهمية تنظيم هذه الندوات العلمية بالنسبة لآفاق الباحث.
وقدم العميد رشيد الحضري أمام جمهور الأساتذة والطلبة الذين حضروا أشغال الندوة، أهم المستجدات التي عرفها مجال البحث العلمي، مشددا على ضرورة التكوين الأكاديمي الرصين، بناء على الالتزام والانضباط للمنهجية الجديدة في الاشتغال.
من جهتها، تحدثت نائبة عميد الكلية في الشؤون العلمية والتعاون، الدكتورة سميرة الركيبي، على أهمية موضوع الندوة التي اختارت تناول: “أدب السيرة الذاتية”، مؤكدة على ضرورة تجديد طرح السؤال والوقوف عند الإشكاليات الحديثة في هذا الجنس الأدبي، انطلاقا من الأوراق البحثية للباحثين الذين شاركوا في اللقاء، كما أنها قامت بتقديم إصدار كتاب مشترك بين كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء، وجامعة كينساو الأمريكية، حيث انكب طلبة الجامعتين على إجراء مقابلات مع مبدعات من المغرب وأمريكا، ضمن مشروع
اختير له اسم: “قصة نجاح success story”، حيث حظي بصيت واسع بين المثقفين المغاربة والأمريكيين.
من جانبه، كشف الدكتور عبد اللطيف محفوظ مدير مختبر السيميائيات وتحليل الخطابات الأدبية والفنية، أن تنظيم هذه الندوة الوطنية، التي سهرت على تنسيقها الدكتورة لطيفة لبصير، يندرج ضمن المسلسل التكويني الذي يوفره المختبر لفائدة طلبته الباحثين.
وأبرز عبد اللطيف محفوظ، أهمية مشاركة الباحثين في مثل هكذا ندوات، نظرا لأهميتها في التكوين الأكاديمي، والاحتكاك أكثر بإعداد الأوراق العلمية، والنقاش حولها أثناء الجلسات.
وشهدت الجلسة الافتتاحية، تقديم الدكتورة لطيفة لبصير، لأرضية الندوة الوطنية، باسطة مختلف الإشكاليات التي باتت تشغل الباحث في جنس السيرة الذاتية، لاسيما في ظل الزمن السريع الذي أصبحت له تداعيات أخرى من قبيل التواجد الرقمي. وقد وضعت لطيفة لبصير محاور أسئلة كبرى حول ضرورة كتابة الحياة الشخصية وأهميتها بالنسبة للفرد والمجتمع، كما وقفت على التحولات التي عرفها هذا الجنس الأدبي الذي يغير أوراقه باستمرار، كجنس قلق على الدوام. فمنظره الرسمي فليب لوجون دوما يتلمس مفاهيم جديدة للعمل على الأدب الشخصي حسب تطورات العصور.
الجلسة الأولى
عرفت الجلسة العلمية الأولى، التي أدارتها الدكتورة لطيفة لبصير، تقديم الباحثة نزهة لخو، قراءة في كتاب: “الكذب الحقيقي، من قال إنني لست أنا؟ في إشكالية التخييل الذاتي”، للباحثة سلوى سعداوي، وهو امتداد لأطروحة هذه الأخيرة، لنيل الدكتوراه التي كانت قد وسمتها بـ:”الرواية العربية المعاصرة بضمير المتكلم”، والتي بحثت فيها، عن التباس الجنس الأدبي بـ”التخييل الذاتي”، بعده جنسا أدبيا فرعيا من كتابات الأنا، وبغيره من كتابات الأنا التخييلية.
وذكرت نزهة لخو، أنه في هذا الكتاب، تتجاوز الباحثة حدود النظر في مسألة تطور الأجناس الأدبية الذاتية المرجعية والتخييلية أو سؤال ما بعد الحداثة السيرذاتية، لتتدبر ما الذي يجمع بين كتابات الذات المتخيلة، ولماذا تتعدد المصطلحات لتفيد خصائص جنس أدبي تخييلي واحد، “إنها تروم الإمساك بالخيط الناظم لكتابات الذات المتخيلة، وكذا بالخيط الرفيع الذي يمكن من خلاله تمييز مصطلح من غيره”، على حد تعبير الباحثة.
من جهة أخرى، أبرزت الباحثة رقية منظور، أهم الأفكار التي يناقشها كتاب: “السارد وتوأم الروح من التمثيل إلى الاصطناع”، للناقد محمد الداهي، مشيرة إلى أن المؤلف ينقسم إلى ثلاثة أقسام، خصص الأول إلى: المعرفة بالأثر، والثاني: جدارية ستندال، والقسم الثالث: المنطقة البينية.
وقالت رقية منظور، إن “السارد وتوأم الروح من التمثيل إلى الاصطناع”، من الكتب الرصينة للسيميائي محمد الداهي، نظرا لما حمله من دقة منهجية في الكتابة، لم لا وأنه عصارة لمسار الكاتب الذي راكم تجارب مهمة في العمل النقدي على نصوص مغربية وعربية وأجنبية أيضا، خصوصا التي تهم الكتابة عن الذات.
وفي سياق متصل، اختار الباحث يوسف الخيدر، تقديم قراءة في كتاب: “الجنس الملتبس: السيرة الذاتية النسائية”، للدكتورة لطيفة لبصير، وهو بالمناسبة مشروع لأطروحة دكتوراه الدولة للباحثة والناقدة العربية، التي تهتم بجنس السيرة الذاتية، النسائية، منها على الخصوص.
وأبرز يوسف الخيدر، أهم النتائج والخلاصات التي توصلت إليها الباحثة لطيفة لبصير في عملها، من قبيل صعوبة كتابة المرأة للسيرة الذاتية كما هو متوافق عليه في الميثاق التعاقدي، ذلك أن كاتبات جنس الأدب الشخصي، تلجأن إلى الاستعارة، والمراوغة في الأسلوب، وانتقاء اللغة، ويخلقن بذلك أسلوبا مختلفا يعتمد على التهوين والتلطيف والازدواجية في التعبير اللغوي.
الجلسة الثانية
وارتكزت الجلسة الثانية، التي أدارها الدكتور رشيد الإدريسي، حول موضوع الأدب الشخصي الذي اعتبره الدكتور الادريسي أمرا مهما وضروريا، نظرا للإقبال الكبير على كتابته، وقد قدمت الباحثة خديجة السويدي، قراءة سيميائية نفسية في السيرة الذاتية رهاب متعدد، لكاتبها الدكتور عبد اللطيف محفوظ، وقفت فيها على سيكولوجيا العنوان وتشاكلاته النصية، بغية تحديد اتساقه وانسجامه مع النصوص السيرذاتية القابعة داخل: “رهاب متعدد”.
وانتقلت خديجة السويدي، بعد تحديدها للمقولة السيمية المستشفة من تحليلها للعنوان، والمتمثلة في الخشية واللاخشية الضامة للسيمين الاطمئنان والرهبة إلى سيكولوجيا الامتلاك والفقدان التي مثلت محور المقولة السيمية المتمثلة في الوجود واللاوجود، والتي شكلت الأساس الذي انبنت عليه النصوص السير الذاتية؛ فالسارد المتمثل في عبد اللطيف محفوظ، كان يمتلك شيئا جديدا كلما فقد شيئا آخر.
وقد انتهت الباحثة، إلى أن غاية الأستاذ عبد اللطيف محفوظ، من كتابة هذه القصص السير ذاتية المتضمنة في: “رهاب متعدد”، هي إثبات الانتماء إلى مدينة فاس التي يعشقها عشقا كبيرا.
واستعرضت الباحثة سعاد برعوز، الأفكار الرئيسية، لمؤلف: “كتابة الذات دراسات في السيرة الذاتية”، للدكتور صالح معيض الغامدي، الصادر عن المركز الثقافي الدار البيضاء-المغرب، سنة 2013، عدد صفحات الكتاب 288، والذي يتكون من أربعة أبواب تتخللها مجموعة من الفصول، وهو في الأصل أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه، أعدها المؤلف في سنة 1989.
وسجلت سعاد برعوز، أن صاحب هذا الكتاب دافع عن أطروحة مفادها؛ أن السيرة الذاتية هي إبداع عربي ارتبط بالحضارة العربية القديمة، وهي فكرة دافع عنها الكاتب من خلال العودة إلى مجموعة من المؤلفات العربية القديمة، التي عدها سيرا ذاتية، وهو طرح جريء، فرض عليه العودة إلى مجموعة من المؤلفات والنصوص العربية القديمة لدعم وتحليل موقفه أيضا.
أما الباحث محسن اليخليفي، فقد تناول موضوع الحقيقة والزيف والخداع في السيرة الذاتية، مقدما دراسة للباحث حمد العيسى: “نهاية الرواية وبداية السيرة الذاتية”، مؤكدا أن السيرة الذاتية في الغرب عرفت انتشارا واسعا حتى وسم العصر الحديث بعصر المذكرات وعصر الاعترافات، مما دفع بحمد العيسى إلى إعلان نهاية الرواية وبداية السيرة الذاتية في مقال من كتاب جامع لمقالات متنوعة مترجمة، عن الناقد الأمريكي “دانييال ماندليسون”، تحت عنوان: But Enough About Me: Whatdoes the popularity of memoris tell us about our selves؟ ومع هذا القدر من التميز: “ماذا تخبرنا شعبية المذكرات الشخصية حول ذواتنا”.
واختار حمد العيسى، بحسب محسن اليخليفي، عنوان “نهاية الرواية وبداية السيرة الذاتية”، ليبرز أسباب انتشار الاعترافات والمذكرات التي باتت تهدد ريادة الرواية من هرم الأجناس الأدبية في الغرب، مبينا أن المقال المترجم، عبارة عن مراجعة شاملة وعميقة، قام بها الناقد الأمريكي دانيال ماندليسون، لكتاب الناقد بن ياغودا “تاريخ كتب السيرة الذاتية”، الذي أثار قضية ازدهار تجارة كتب السيرة الذاتية وخصائصها، التي تقوم على “الكشف غير اللائق والمنحط لخفايا النفس وعن الخيانات غير المستساغة وممارسة الكذب الذي لا مفر منه”.
واختتمت الجلسة الثانية، بتقديم سعاد المدني، قراءة في كتاب: “الجنس الملتبس: السيرة الذاتية النسائية”، للدكتورة لطيفة لبصير، متوقفة عند أهم الأفكار والتصورات والملاحظات التي جاءت بها الباحثة في هذا الكتاب الرصين، الذي خصص للإبداع النسائي لاسيما السيرة الذاتية لنوال السعداوي، ولطيفة الزيات، وفدوى طوقان، وفاطنة لبيه، وسير نساء أخريات..
ودعت سعاد المدني إلى ضرورة اطلاع الباحثين على هذا الكتاب النقدي، لما يتضمنه من استنتاجات مهمة، حول تجربة الكتابة النسائية في العالم العربي، خصوصا في ظل افتقار الخزانة إلى مؤلفات من هذه الطينة، على اعتبار أن النقد الأدبي لم يهتم كثيرا بالسير الذاتية النسائية.
وقد تم تقديم خلاصات عليا حول تجربة الأدب الشخصي، ومدى أهميته رغم كل مراوغاته في تطور الإبداع، بحيث يقدم تأريخا للعديد من الأفكار والتجارب الواقعية، كما أنه ينقل لنا تصورا آخر حول المتلقي الذي يصبح متلقيا من نوع آخر، حين يدرك أن كاتب الأدب الشخصي، هو شخص واقعي، ولذا يكون الفضول والرغبة في معرفة الآخر، وراء العديد من قراءات هذا الأدب الذي يظل ممتعا بكل أشكاله وتلويناته.