في تفاصيل الحياة اليومية للعاصمة الاقتصادية خاصة وجهة الدار البيضاء سطات عامة، تبرز مختلف ظواهر الهشاشة الاجتماعية التي لا تخطئها العين، لأنها تغطي العديد من الأمكنة وكل الأزمنة.
ظواهر تجسدها صور ومشاهد تتواجد بمختلف الفضاءات العامة، وهو ما يخلق وضعا اجتماعيا غير سليم يتنافى مع كرامة الإنسان وأبسط حقوقه.
وضع يسائل الجميع، ويتعين التعاطي معه بالجدية اللازمة وفق حلول ناجعة، وهو ما تم التشديد عليه خلال الملتقى الأول حول المنظومة الاجتماعية بمدينة الدار البيضاء الذي التأم في بحر الأسبوع المنصرم، والذي توقف عند بعض ظواهر الهشاشة والتشرد وسبل معالجتها وفق مقاربة تشاركية.
ومن مظاهر الهشاشة، التي قدمها شريط جرى عرضه بالمناسبة، وبسطتها أيضا مختلف التدخلات، أطفال الشوارع، والمعاقين المسخرين لأجل التسول، ومرضى نفسانيين يتجولون بمختلف شرايين المدينة، علاوة على نساء ومسنين في وضعية صعبة.
يتعلق الأمر بأشخاص في وضعية صعبة يرسمون مشاهد تخدش كبرياء مدينة تسعى لأن تكون ذكية.. وتبقى الحلول هي إيواء العديد منهم في مراكز، لكن ذلك غير كاف باعتراف مسؤولين ومنتخبين من أجل استيعاب عدد من هؤلاء الأشخاص لأسباب متعددة، لعل أهمها هو أن العاصمة الاقتصادية تشكل دوما قبلة لعدد كبير من الأشخاص أملا في الاستفادة من ديناميتها الاقتصادية والخدماتية.
عبد اللطيف معزوز، رئيس مجلس جهة الدار البيضاء سطات، كان واضحا في هذا السياق حين قال صراحة إن الدار البيضاء لها قدرة كبيرة على استقطاب الساكنة، وهذا يأتي “بمشاكل ويفرض أيضا حلولا”.
ينضاف لكل ذلك عدم رغبة عدد من هؤلاء الأشخاص في الإقامة بمختلف المراكز، ربما لأنهم ألفوا الحياة الاجتماعية برحابتها، وهو ما دفع بعض المتدخلين خلال هذا الملتقى لطرح فكرة احتضان البعض من هؤلاء الأشخاص من قبل عدد من الأسر ضمن مبدأ التكافل والتآزر والتضامن، ضمن آلية يتم حصرها بشكل دقيق.
ومن ضمن المنجزات المهمة التي تم التوقف عندها، برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي ساهمت بشكل كبير في محاربة الهشاشة وإخراج فئات كثيرة من أوضاع صعبة.
وإذا كانت مختلف المخططات الوطنية والجهوية والمحلية تحمل جوانب اجتماعية من بينها إنشاء مراكز تعنى بالأطفال والنساء والمسنين في وضعية صعبة، فإن كل المؤشرات تدل على أن المقاربات المعتمدة لم تبلغ حد الحلول الناجعة، ومن هنا تأتي فكرة الإدماج الاجتماعي التي ترفع لواءها وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة التي تبحث عن حلول ناجعة لتقديم المساعدة اللازمة لهذه الفئات الهشة، ضمن “هندسة جديدة” تتماشى مع أهداف النموذج التنموي الجديد في بعده الاجتماعي.
ويبقى بيت القصيد في هذه العملية برمتها هو “الالتقائية” التي تم التشديد عليها كثيرا خلال هذا الملتقى، لأن الجهود المشتتة لا تأتي بالنتائج المرجوة.
ولتحقيق هذه الغايات، بل وتجاوز نقط ضعف التجارب السابقة، وقعت الأطراف المنظمة للملتقى والشريكة مذكرة تفاهم تروم إرساء آلية للعمل المشترك، وتنسيق تدخلات وجهود جميع الفاعلين المؤسساتيين في القطاع الاجتماعي، وذلك في أفق إعداد برنامج وتسطير مشاريع وأنشطة مشتركة تروم النهوض بهذا القطاع بتراب جماعة الدار البيضاء، وتحقيق تعاون مشترك ومثمر عبر تحقيق الالتقائية بين جميع المخططات والبرامج.
كما تنص المذكرة على إحداث لجنة مشتركة تضم كل الأطراف الموقعة لتتبع وتقييم البرامج والمشاريع والأنشطة المسطرة من أجل تنزيل التوصيات ومخرجات الملتقى.
إن إرساء آلية للعمل المشترك والتتبع من شأنه إيجاد حلول ناجعة ومستدامة ضمن منظومة ذكية، حتى لا تذهب مختلف الجهود التي تستهدف ظواهر الهشاشة والتشرد سدى.
فالحلول الناجعة تقتضي، حسب بعض المشاركين في الورشات المنظمة خلال هذا الملتقى، الاشتغال وفق رؤية متكاملة تسير بشكل متدرج : الدعم النفسي، والعلاج الصحي، ثم التعليم والتكوين بالنسبة للصغار، والإدماج الاجتماعي عبر خلق فرص شغل موجهة لهذه الفئة من المجتمع، أملا في انتشالها من وضعها الصعب.