لا تزال ردود الفعل الغاضبة تتوالى حول مشروع قانون المسطرة الجنائية الذي صادقت عليه الحكومة المغربية مؤخرا، حيث يتهم هذا المشروع بتقييد حق منظمات المجتمع المدني في مكافحة الفساد والتقاضي ضد جرائم نهب المال العام، وبينما تدافع الحكومة عن تعديلات القانون بوصفها جزء من إصلاح شامل لمنظومة العدالة، يعتبرها الحقوقيون تهديدا صارخا للحريات وللدور الرقابي الذي تلعبه الجمعيات المدنية في البلاد.
وقفة احتجاجية ضد التضييق على المجتمع المدني
في هذا السياق، أعلن المكتب الوطني للجمعية المغربية لحماية المال العام عن تنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر البرلمان يوم السبت 21 شتنبر 2024، تحت شعار “لا للتضييق على المجتمع المدني، لا للفساد ونهب المال العام”.
وأوضح بيان الجمعية أن هذه الوقفة تأتي ردًا على ما اعتبرته الجمعية محاولة واضحة لإغلاق الأبواب أمام منظمات المجتمع المدني في معركتها ضد الفساد، وذلك من خلال مواد مثيرة للجدل تضمنها مشروع القانون الجديد.
مواد مثيرة للجدل: تدخل في السلطة القضائية وتقييد للحقوق
من بين المواد الأكثر إثارة للانتقاد في مشروع القانون الجديد، المادة الثالثة التي تنص على أن الأبحاث القضائية في قضايا الفساد المالي لا يمكن أن تجرى إلا بناء على إحالات من رئيس النيابة العامة.
كما أن المادة السابعة تفرض قيودا على حق الجمعيات في التقاضي كأطراف مدنية، حيث تتطلب الحصول على إذن خاص من وزير العدل، ويرى المعارضون لهذه المواد أنها تشكل انتهاكا للدستور والمواثيق الدولية التي تضمن حرية التقاضي وحق الجمعيات في لعب دور رقابي فعال.
انتهاك للدستور و”ردة حقوقية”
اعتبرت الجمعية المغربية لحماية المال العام أن هذه التعديلات تمثل “ردة حقوقية وقانونية ودستورية”، مشيرة إلى أن الحكومة تسعى إلى تقليص دور المجتمع المدني في مراقبة الفساد وحماية المال العام.
وتساءلت الجمعية عن دوافع الحكومة في التوجه نحو تقييد الجمعيات الحقوقية، مؤكدة أن هذه الخطوة تهدف إلى حماية الفاسدين من المحاسبة وإضعاف الرقابة الشعبية على الأموال العامة.
مطالبة بالتحرك لمواجهة الفساد
دعا المكتب الوطني للجمعية إلى تشكيل إطار موحد يضم هيئات حقوقية وديمقراطية من أجل التصدي لمحاولات تقييد الحريات المدنية.
كما شدد البيان على أهمية المشاركة الواسعة في الوقفة الاحتجاجية المرتقبة، بهدف تعزيز الضغط على الحكومة لإعادة النظر في مشروع القانون، الذي اعتبره المعارضون يتناقض مع الجهود المبذولة لمكافحة الفساد في البلاد.
الصحافة تحت الضغط أيضا
لم تقتصر الانتقادات على مسألة تقييد المجتمع المدني، بل طالت أيضا تدخلات الحكومة في حرية الصحافة، وأعربت الجمعية عن استنكارها لقرار متابعة الصحفي حميد المهداوي بالقانون الجنائي بدلا من قانون الصحافة، معتبرة أن هذا التوجه يعكس “مسارا شاذا” من قبل وزارة العدل في التعامل مع الصحفيين والمنتقدين.
يبدو أن مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد يشكل نقطة تحول في العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني، حيث يسعى الحقوقيون إلى تصعيد احتجاجاتهم في وجه ما يرونه تعديًا على حقوقهم وحرياتهم.
وإذ يستمر الجدل حول هذا المشروع، فإن الأعين تتجه نحو البرلمان الذي سيشهد وقفة احتجاجية تندد بما يصفه البعض بمحاولة الحكومة لتكميم الأفواه وتقليص دور المجتمع المدني في مواجهة الفساد.