انعقدت بمجلس المستشارين اليوم الثلاثاء الجلسة السنوية الخاصة بمناقشة السياسات العمومية وتقييمها حول موضوع: “التعليم والتكوين ورهانات الإصلاح”، والتي تميزت بتقديم خلاصات التقرير الذي أعدته المجموعة الموضوعاتية المؤقتة المكلفة بالتحضير لهذه الجلسة، والوقوف على الم نجز الحكومي في هذا المجال.
وشكلت هاته الجلسة السنوية، التي حضرها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، ووزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة شكيب بنموسى، ووزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات يونس سكوري، ووزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار عبد اللطيف ميراوي فرصة لمناقشة أهمية إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.
وبهذه المناسبة، أشاد المتدخلون باسم مختلف الفرق والمجموعات الممثلة في مجلس المستشارين بمقاربة عمل المجموعة الموضوعاتية المؤقتة ، وبالملاحظات والخلاصات الموضوعية التي يتضمنها التقرير الذي أعدته، كما نو هوا بتجاوب الحكومة الذي ساهم في إنجاح عملها.
وأكد المتدخلون أن جودة التعليم والنهوض بالمدرسة من الشروط الأساسية لتسريع وتيرة التنمية بالمغرب، داعين إلى ضرورة إحداث إصلاح فعلي لمؤسسات التعليم العمومية والخاصة والعناية بمواردها البشرية، إلى جانب تأهيل الوظيفة الاجتماعية والاقتصادية لمنظومة التربية والتكوين وذلك بإقران كل عملية إصلاح بالنموذج التنموي.
ونو ه المتدخلون إلى أن المغرب يتوفر على خارطة طريقة واضحة لإصلاح التعليم تنهل من خطب صاحب الجلالة الملك محمد السادس والرؤية الاستراتيجية 2025-2030 في مجال التعليم والتكوين والبحث العلمي، مسجلين أنه على الرغم من ذلك هناك “اختلالات كبىرة” تسائل “إمكانية القيام بما هو أفضل في السنوات المقبلة”.
وتفاعلا مع مداخلات ممثلي الهيئات السياسية والنقابية والمهنية والترابية الممثلة في مجلس المستشارين، أكد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق أن الوزارة حرصت على تدبير مشروع تأهيل التعليم العتيق باعتماد مقاربة تؤطرها خمسة مبادئ أساسية، تتعلق بالحرص على صيانة خصوصية التعليم، والحرص على تحصينه، والعمل على إدماج في التوجهات العامة للمدرسة المغربية، والعمل على إفادته من جواب الانفتاح الممكنة والضرورية، والقيام بتحسين تأهيله لتجويد مهمته.
واعتبر السيد التوفيق أن هذه المبادئ مك نت من قطع مراحل مهمة في مسار إصلاح هذا القطاع وذلك من خلال مجموعة من المبادرات، من بينها إدماج التعليم العتيق في إطار المنظومة التربوية الوطنية، تحويل مؤسساته من إطار غير نظامي إلى إطار نظامي محدد الأطوار والمستويات، إعادة بناء الهندسة البيداغوجية لهذا التعليم.
وأضاف الوزير أنه تم توحيد البرامج الدراسية ومراجعتها وفق مقاربة تجمع بين الحفاظ على الخصوصية المتمثلة في حفظ القرآن الكريم وخدمة الثوابت الدينية، تعزيز الهوية المرتبطة بتربية النشء على القيم المبنية على المعرفة والتعارف والوسطية والاعتدال، الانفتاح على اللغات الأجنبية والثقافات الأخرى بشكل يسهم في تطوير معارف المتعلمين ومهاراتهم، وتقوية الجسور بين التعليم العتيق والتعليم العمومي.
وخلص الوزير إلى أن التعليم العتيق ليس فقط جزءا من المنظومة التربوية للمغرب، بل هو من روافد الهوية ومقوم من مقومات توازنها، مبرزا أن الوزارة الوصية واعية بتحديات يطرحها هذا التعليم ليست في غيره، منها طموح الوصول إلى حالة طبيعية من حيث سن التمدرس مع ضمان العنصر الأساس في خصوصيته وهو الحفظ الكامل للقرآن الكريم، ومنها حفظ التوازن بين الطلب الشديد على فتح مؤسسات جديدة وبين ضرورة تجنب التضخم بتجاوز الحاجيات.
من جانبه، أوضح وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة شكيب بنموسى، أن الوزارة تسعى من خلال الإصلاح الذي تباشره في مجال المدرسة العمومية إلى تقديم حلول وتدابير عملية لتحسين جودة التعلمات لدى التلاميذ، وفق نموذج تعليمي جديد يعتبر المتعلمين محور الفعل التربوي، من خلال تنمية قدراتهم الفكرية والنقدية، وتشجيعهم على الابتكار والإبداع، لتطوير ذواتهم بكل استقلالية ومسؤولية.
واعتبر الوزير أن المقاربات التعليمية الناجعة على المستوى الدولي تؤكد على ضرورة ربط الفعل التربوي بالتجديد والإبداع والابتكار وبالانفتاح على القضايا الجوهرية المطروحة اجتماعيا واقتصاديا وبيئيا وثقافيا، مضيفا أن إدراك تحول المدرسة العمومية وبلوغ الجودة المنشودة لن يتحقق دون أن يمس الإصلاح مباشرة الفصول الدراسية بشكل أساسي.
وتابع الوزير “ليس أمامنا خيار آخر غير العمل على تسريع وتيرة تحول المدرسة المغربية، والاستثمار في رأسمال بشري مزود بالمؤهلات التربوية والمعرفية والكفايات العملية والتواصلية والمهارات الحياتية والتكنولوجية في ظل العولمة والتحول الرقمي”، لافتا في هذا الإطار إلى خارطة الطريق 2022-2026 التي تتأسس على ضمان الإنصاف وتكافؤ الفرص وعلى ربط الإصلاح بالفصول الدراسية وبتأثيره المباشر على المتعلمات والمتعلمين.
من جهته، أوضح وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات يونس سكوري، أن الاختيارات المرتبطة بالاستثمار يجب أن تكون مطابقة لما يريده سوق الشغل، مشددا على ضرورة تأهيل المتدربين نحو تداريب من شأنها تمكينهم من الاندماج في سوق الشغل، ولافتا إلى دور الجهات في هذا الإطار.
وأكد المسؤول الحكومي أن الوزارة انكب ت، من خلال عمل كبير، على تنويع مسارات التكوين على مستوى 775 شعبة تكوينية، 417 منها شعبة جديدة و249 شعبة محي نة، فيما تم الاحتفاظ بـ109 شعبة وحذف 108 أخرى، وإلى جانب ذلك تم إحداث 91 برنامجا جديدا للتكوين المهني من أبرز محاوره الذكار الاصطناعي.
كما استعرض الوزير البرنامج المتعلق بإحداث مؤسسات للتكوين من الجيل الجديد في خدمة التميز والابتكار، مشيرا إلى أنه تم افتتاح أربع مدن للمهن والكفاءات، فيما ستكون ثلاث مدن أخرى جاهزة خلال الدخول المدرسي المقبل، ومشددا على أهمية هذه المدن بتوفرها على فضاءات للتوجيه ومنصات تطبيقية متعددة التخصصات (صناعة، سياحة، مهن طبية، مهن رقمية)، والتي لا يتجاوز عدد المتدربين في أقسامها 20 متدربا.
من جانبه، أشار وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عبد اللطيف ميراوي، إلى أن التحولات المتسارعة التي يشهدها السياق الوطني والدولي تضع منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار أمام تحديات كبرى تسائل الدور التنموي الذي تضطلع به الجامعة كفضاء لإعداد الكفاءات ومنارة لإشعاع العلم والمعرفة ولتطوير الرابط الاجتماعي.
وأبرز السيد ميراوي أن البحث العلمي يعد من بين المحاور الاستراتيجية الرئيسية للمخطط الوطني لتسريع تحول المنظومة، مشيرا الى أن الوزارة عملت على مدخلين أساسين يتعلقان بتكوين جيل جديد من طلبة الدكتوراه يتم انتقاؤهم من بين أفضل الكفاءات، إلى جانب هيكلة البحث العلمي في إطار معاهد وطنية للبحث الموضوعاتي، مشيرا إلى أنه يتم حاليا إحداث معاهد وطنية للبحث تهم ميادين من بينها التكنولوجيا الحيوية الطبية، الماء والتغير المناخي، والذكاء الاصطناعي.
وأفاد المسؤول الحكومي أن الوزارة تنكب على إعداد برنامج متكامل لتدبير التغيير داخل المنظومة وتعزيز قدرات الموارد البشرية، من خلال برنامج للتكوين المستمر متعدد السنوات يرتكز على تكوينات إشهادية لفائدة الأساتذة الباحثين والأطر الإدارية والتقنية، وذلك بغية الارتقاء بجودة المنظومة التعليمية.