بصوت واحد ونبرة واحدة، خرج مئات الآلاف من أبناء المغرب إلى شوارع العاصمة، متحدين النظام العالمي الذي ظل يغلق آذان العالم على معاناة شعب فلسطين، ولم يكن اليوم مجرد تظاهرة عابرة، بل هو صرخة نابعة من أعماق الروح، تتحدى التطبيع الذي يمارس كسياسة باردة لا تترك مجالاً للإنسانية.
وكان الوجدان المغربي، بكل ما يحمله من ألم وغضب، هو الحافز الأساسي الذي جمع رجالا ونساء، أطفالا وشيوخا، شبابا وكبارا من كل أطياف المجتمع، من عرب وأمازيغ، من إسلاميين وعلمانيين، ومن ينتمون إلى مختلف التوجهات السياسية والاجتماعية، ولم يكن الهدف من التظاهرة مجرد رفع شعار، بل كان التعبير عن رفض قاطع للاستسلام لسياسة التطبيع مع كيان يمارس وحشية لا تعرف الرحمة، كما يتردد في الذاكرة صوت الكوفية الذي عاد ليزين الأعناق، رمزا لزمن كانت السياسة فيه ممارسة للفكر والثورة، حيث كان الطلبة يمارسون السياسة ويعبرون عن أملٍ جديد باسم “فلسطين”.
وأمام واقع تطبيع رسمي مع إسرائيل، رفع المحتجون أسمى أصواتهم مطالبين بتأكيد أن التطبيع لم يعد خيارا سياسيا أو دبلوماسيا بقدر ما أصبح خطا أحمر يفصل بين الإنسانية والوحشية، إما مع غزة أو مع الإبادة الجماعية، هكذا صرخ المتظاهرون، في رسالة واضحة للحكومة والدولة تفيد بأن الانقسام بين الحياة والموت ليس مجالا للتسوية.
ليس غريبا أن تتوالى الانتهاكات في غزة، حيث يمارس جيش الاحتلال جرائمه بشتى صورها، من قتل الأطفال والنساء، إلى تدمير المدارس والمساجد والكنائس، وتلك الجرائم التي تحول الخيال إلى كابوس، ولا تجد أي تبرير إنساني أو دبلوماسي.
ما شهده شارع محمد الخامس اليوم ليس مجرد احتجاج عابر، بل هو دعوة لاسترجاع معاني الكرامة والحرية، لتذكير الدولة بأنها لا تستطيع أن تتجاهل صوت شعبها الذي يرفض التعايش مع تطبيع يتنافى مع مبادئ الإنسانية، فقد جاء المتظاهرون من كل فج عميق في المغرب ليعلنوا “لقد فهمتكم، ونحن معكم”.
صوت فلسطين الذي انطلق في قلب العاصمة هو صرخة تتحدى كل من يحاول إسكات الحق، وهو تذكير بأن التاريخ لا يرحم من ينسى معاناته ويغض الطرف عن جرائمه، واليوم، في زمن يتقاذفه التغيير، يجب على الدولة أن تستمع لهذه الأصوات العالية، وأن تعيد صياغة سياساتها لتكون أكثر قربا من مطالب شعبها، وأكثر صدقًا مع معاناة الأبرياء.
لا وقت اليوم للوقوف في المنطقة الرمادية، بل حان وقت الانحياز للحق والإنسانية، ومطالب الشارع المغربي ليست مجرد كلمات عابرة، بل هي إرادة شعب يتحدى المستحيل ويطالب بمستقبل ينبض بالحرية والكرامة، والتاريخ سيحكم على من سكت عن الحق، وسيخلد أسماء من وقفوا صفا واحدا مع الشعب الفلسطيني، مؤكدين أن التعايش مع الظلم ليس خيارا، بل معاداة للإنسانية بأسرها.