يتجاوز الأدب بشكل عام دور التسلية والامتاع ليشكل رافدا للقيم ومرآة لواقع المجتمع وطموحه والصورة التي هو عليها أو ينشد أن يكون عليها، والأدب الأمازيغي لا يحيد بدوره عن هذا المسار.
لطالما كان لكل أدب خصوصيته وسماته اللصيقة به التي يتصف بها انطلاقا من المجتمع المنتج له، وبذلك فالأدب الأمازيغي كما المجتمع المغربي ينبني انطلاقا من الفسيفساء الاجتماعية والثقافية التي تميز هذا المجتمع، ويزدان بالموروث الثقافي الغني والغزير، رغم الإكراهات والعقبات التي قد تواجهه.
إن للأدب عموما دورا محوريا في تعزيز الهوية والانتماء الوطني، ويعكس صورة الوضعية الثقافية للبلد، لدى لابد من الوقوف في مستوى أول عند الدور الخاص الذي يلعبه الأدب الأمازيغي في المغرب:
- أهمية الأدب الأمازيغي:
نقصد بداية بالأدب الأمازيغي مختلف الأنماط الأدبية من شعر ورواية وقصص ونثر وتدوين للإرث الشفهي الأمازيغي، على اعتبار أن الاهتمام بهذه الأنماط هو اهتمام بالصحوة الهوياتية التي عاشها الأدب الأمازيغي لحظة التركيز على الانتقال من الشفهي إلى المكتوب.
في هذا السياق، يقول أحمد عصيد، كاتب وناشط حقوقي، إن الأدب الأمازيغي مثل كل الآداب في العالم له دور تهذيب الذوق وبناء الشخصية وتوسيع الخيال وخلق الإحساس المرهف بالوجود وإشاعة نزعة إنسية ضرورية من أجل الرقي بالعلاقات الإجتماعية، مؤكدا أنه “يلعب دور حامل الرسائل الكبرى من جيل إلى آخر، باعتباره مدرسة للقيم النبيلة وللتوعية. ويلعب أيضا دور الارتباط بالأرض والهوية الوطنية”.
يعتبر عصيد، في تصريحه لجريدة “جهات” الإلكترونية، أنه إذا كان الأدب العالمي يقربنا من معاناة الإنسان في بلدان بعيدة فإن الأدب الأمازيغي يجعلنا ننصت لنبض المجتمع المغربي ونبض الأرض المغربية وتاريخ المغرب.
إن هذه الأهمية البالغة التي يكتسيها الأدب الأمازيغي تدفعنا نحو التساؤل: ما هي وضعيته حاليا، وما الاكراهات التي يمكن أن تعتريه لتحقيق أدواره؟
- وضعية الأدب الأمازيغي:
إن سؤال وضعية الأدب الأمازيغي حاليا سؤال جوهري لأجل تتبع المسار الذي شقه للوصول إلى القراء وتحقيق غاياته، وفي هذا الباب، يرى الكاتب عصيد أن الأدب الأمازيغي يجتاز مرحلة حاسمة يعرف فيها عمليتين هامتين، هي عملية التدوين للموروث الشفوي من جهة، وعملية الكتابة الإبداعية بالأمازيغية في سياق حديث.
أما العملية الأولى، يقول عصيد، فقد انطلقت منذ نهاية الستينات بجهود فردية لباحثين وطلبة ومهتمين عشاق للتراث الأدبي الشفوي وخاصة الشعري منه، والتحق بها عمل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي افتتح منذ 2003 ورش جمع وتدوين الموروث الشفوي في الشعر والحكاية والأمثال والألغاز، حيث وصل حتى حدود الساعة إلى جمع وتدوين ما يزيد على 90 ألف صفحة من هذا التراث.
أما العملية الثانية فقد انطلقت في منتصف السبعينات بظهور الدواوين الشعرية الجديدة التي تمثل إبداعا فرديا وذاتيا، وتطورت كما وكيفا بعد إدراج الأمازيغية في التعليم وتوليها بعمليات المعيرة والتقعيد والتهيئة، حيث يمكن الحديث اليوم عن “جيل جديد من المبدعين الذين أحدثوا ثورة حقيقية في لغة الإبداع الكتابي بالأمازيغية، وكذا في الرؤية الفنية وآفاقها، وقد ساعد على ذلك التطور الحاصل في مجال الإنتاج الدرامي في المسرح والفيلم، والدورات التكوينية التي استفاد منها هؤلاء الشباب، والتي لم تكن موجودة من قبل” وفق ذات المتحدث.
وفي سياق الحديث عن العوائق التي تكبح طرق هذه النهضة الأدبية، يعتبر عصيد أنها كثيرة إلا أن أهمها يتمثل في عدم تعميم تدريس اللغة الأمازيغية، وعدم إدراجها كما كان مقررا في وسائل الإعلام، وعدم تشجيع المواهب الأمازيغية في الإبداع والكتابة، وتهميش الفنان الأمازيغي الشعبي الذي ما زال يحظى بمتابعة كبيرة من الجمهور.
لدى كيف يمكن تجاوز هذه العوائق والنهوض أكثر بالأدب الأمازيغي؟ وهل يمتلك المغرب سياسة ثقافية واعية بهذا الشق من الأدب؟
- الأدب الأمازيغي.. آفاق واعدة:
يشير الكاتب عصيد إلى أن هناك جهودا عديدة تروم النهوض بالأدب الأمازيغي، حيث يتم تنظيم عشرات الندوات واللقاءات من أجل تطوير هذا الأدب والحفاظ على الموروث منه، وهو ما يتجلى في اللقاءات والندوات الجامعية، وبالندوات العلمية للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وكذا بالبرامج الثقافية الجمعية التي كانت سباقة إلى الاهتمام بالأدب الأمازيغي قبل الجامعة وقبل إنشاء المعهد.
إن ثمار هذه الجهود تظل رغم ذلك محدودة، وبذلك فالمطلوب اليوم هو تعميم تدريس اللغة الأمازيغية في المدرسة المغربية العمومية والخاصة بجميع أسلاكهما، “لأنه لا أدب ولا كتابة أو إبداع بلغة غير مدرجة في التعليم ولا توجد لها شعب في الجامعات، ولا توجد لها حركة نقدية مواكبة” كما يصرح ذات المتحدث.
ويتابع ذات المتحدث أنه: “ينبغي انفتاح وسائل الإعلام المختلفة على الإبداع الأدبي الأمازيغي وإدراجه في البرامج والمسابقات ودعوة الكتاب الحداثيين والفنانين التقليديين لعقد لقاءات لهم مع الجمهور ومنحهم الكلمة حتى يعبروا عن أفكارهم ومواقفهم ويقوموا بالتعريف بإنتاجاتهم الأدبية، كما لا يخفى بهذا الصدد دور وزارة الثقافة والشباب وكل مؤسسات التنشيط الثقافي في تحرير طاقات المبدعين ومنحهم إمكانية الكتابة والإبداع وتبادل تجاربهم مع بعضهم البعض، وتمكينهم من الاستفادة من أوراش الكتابة التي تعد من عوامل النجاح بالنسبة للكتاب الشباب”.