المصطفى عياش-
قال الباحث في مركز الدراسات التاريخية والبيئية التابع للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، المحفوظ أسمهري، إن طقوس الاحتفال بالسنة الأمازيغية أصبحت حاضرة في مختلف جهات المملكة.
وأوضح أسمهري، في حوار خص به وكالة المغرب العربي للأنباء، بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية 2973، أن هذه الطقوس التي تتسم بطابع رمزي يميزها عن باقي الثقافات، لها علاقة بالنشاط الفلاحي (الزراعة وتربية الماشية) الذي كان يشكل في الماضي المورد الاقتصادي الأساسي للأسر والمجموعات البشرية. وأورد الباحث أمثلة لمظاهر الاحتفاء بهذه الطقوس في المجتمعات التي لا تزال تعتمد على الرعي، من بينها نسب قطيع الماشية “للمحظوظ” الذي يسمى ب (ه ان أخ س و ن ﯖان ت ت ن ك )، وهو الشخص الذي يصادف نوى التمر التي يتم دس ها في الأكلة المحضرة بهذه المناسبة.
وفي بعض المناطق، يضيف أسمهري، يشترط ألا يكون الخبز من ضمن محتويات مائدة الأكل، لأنه “يابس/ إق ور “، وبالتالي فهو فأل شؤم ليلة استقبال سنة جديدة يؤمل ألا تكون يابسة (بالمعنى المجازي للكلمة الذي يدل على الصعوبة والمشاق). وهذا الاعتقاد هو الذي يفسر لماذا يتم في بعض المناطق تفضيل الأكلات “غير اليابسة/ أد أ ور ت ق ور ت ر م ت ” مثل ت ﯖ ـلا (العصيدة) أو الكسكس أو أ ور ك يم ن أو ل ب س يس وغيرها.
ويرى الباحث أنه أمام صعوبة جرد كل أنواع الطقوس عبر مختلف جهات المغرب، من المهم التفكير في إصدار كتيب يوثق لهذه الطقوس في مختلف الجهات الفلاحية (الواحات، الجبال، السهول، الصحراء)، بالنظر إلى أن الخصوصيات الفلاحية للجهات لها تأثير على طبيعة الأكلات وما يصاحبها من عادات وتقاليد.
من جهة أخرى، اعتبر المحفوظ أسمهري أن الاحتفالات برأس السنة الأمازيغية من شأنها تعزيز البعد الأمازيغي في الثقافة الوطنية المتعددة الروافد، مبرزا أنه ” من الطبيعي أن نلاحظ ظهور أشكال جديدة غير مألوفة من قبل ضمن طقوس الاحتفال بهذه المناسبة، خصوصا في المدن، ومع ذلك نسجل أن هناك حرصا على الحفاظ على التقاليد الموروثة، خاصة الأكلات التقليدية”. وتوقف في هذا الصدد، عند الدور التي أضحت تضطلع به وسائل التواصل الاجتماعي “التي سهلت التأثير والتأثر، وبالتالي الرفع من سرعة التحولات ” في طريقة الاحتفال.
وشدد أسمهري على أن المحافظة على أي موروث كيفما كانت طبيعته تقتضي أولا الوعي بأهميته لصون الذاكرة التاريخية الجماعية، مبرزا أنه ” من أهم طرق المحافظة على هذا الموروث توثيقه لضمان استمراريته، ولما لا تسجيله ضمن لائحة التراث الوطني وتصنيفه كتراث عالمي (..) لا شك أن عملا من هذا القبيل يتطلب مجهودات من طرف الخبراء والمتخصصين، لكن أيضا إرادة وغيرة من طرف القائمين على الشأن الثقافي “.
وبخصوص أصل الاحتفال بالسنة الأمازيغية، يقول الباحث إنه ” وكما هو شأن جميع التقاويم الزمنية العريقة، لا نعرف الكثير عن الأصول التاريخية لإيض إيناير (إخف ن أسـﯕس/ تبورت ن أسـﯕس)، لكن الدراسات التي تناولت الموضوع ترى أن جذور هذا التقويم لها علاقة بالدورة الزراعية (السنة الشمسية) وما يصاحبها من طقوس تتفاءل بسنة فلاحية خصبة وذات محصول جيد “.
وتابع أن ” كل ما نعرفه من بعض مصادر ما قبل الإسلام، أن المجموعات البشرية بشمال إفريقيا كانت تقيم طقوسا واحتفالات في مطلع شهر يناير”، مضيفا أن الأمر يتعلق ب”طقوس موروثة عن فترات موغلة في القدم”.
وخلص الباحث إلى أن إقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية لا يمكنه إلا أن يعزز الاعتراف الرسمي والمؤسساتي بالثقافة الأمازيغية كمكون عريق للثقافة المغربية، وكذا الروابط التاريخية المشتركة التي تجمعنا بباقي شعوب شمال إفريقيا، وهو ما من شأنه أن يعطي إشعاعا لواحدة من الخصوصيات الثقافية التي ميزت حضارة الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط.