صندوق النقد الدولي يحذر من مواصلة التضخم ارتفاعه لفترة أطول

حذر صندوق النقد الدولي، في تقرير نشره اليوم الثلاثاء، من الارتفاع المستمر للتضخم في العديد من البلدان بسبب الاختلالات بين العرض والطلب والمساعدات التي تقدمها السلطات العمومية خلال الأزمة الوبائية، مشيرا إلى أن الآفاق الاقتصادية تبدو “جد قاتمة” بسبب الحرب في أوكرانيا.

وأوضحت المؤسسة المالية، ومقرها بواشنطن، أنه أمكن تحقيق التعافي العالمي بفضل تطوير اللقاحات والدعم غير المسبوق من السياسة النقدية وسياسة المالية العامة، بالإضافة إلى الدعم المالي، بما فيه التخصيص العام التاريخي من صندوق النقد الدولي لحقوق السحب الخاصة، بقيمة بلغت نحو 650 مليار دولار، جعلت تحقيق التعافي ممكنا، لكنه “انقلب رأسا على عقب بفعل الغزو الروسي لأوكرانيا، مما أصاب الآفاق الاقتصادية العالمية بانتكاسة حادة”.

ونتيجة لذلك، ازدادت المخاطر الاقتصادية بصورة حادة، حسب تقرير المؤسسة المالية الذي صدر عشية اجتماعات الخريف لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي المقررة في الفترة من 10 إلى 16 أكتوبر الجاري، مضيفا أن التوترات الجيوسياسية والاجتماعية تصاعدت مع زيادة الفقر وعدم المساواة.

ووفقا للتقرير، فقد ارتفع التضخم بشكل حاد في كثير من البلدان نتيجة لمزيج من ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء والسلع الأولية ونقص العمالة واضطراب الإمدادات، بينما بلغت الديون العامة والخاصة مستويات عالية جدا.

ومع زيادة ضيق حيز الإنفاق من المالية العامة، يضيف التقرير، ستواجه البلدان مفاضلات متزايدة الصعوبة بين السياسات بينما هي تعالج التضخم المتزايد، والمخاطر المالية الكلية المتصاعدة وتباطو النمو.

وأشار إلى إنه في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية التي تتحمل قروضا كبيرة بالعملات الأجنبية ولديها احتياجات للتمويل الخارجي، ينبغي عليها أيضا أن تتأهب للاضطرابات المحتملة في الأسواق المالية مع تشديد موقف السياسة النقدية في الاقتصادات المتقدمة.

وأضاف صندوق النقد الدولي أن التأثير الاقتصادي للحرب في أوكرانيا يمثل انتكاسة كبيرة أخرى للاقتصاد العالمي، مشيرا إلى أن الخسائر في أوكرانيا فادحة، لكن التداعيات تمتد إلى ما هو أبعد من حدود أوكرانيا.

وأبرز أن شدة الاضطرابات في أسواق السلع الأساسية وسلاسل التوريد ستؤثر بشكل كبير على الاستقرار والنمو المالي الكلي، علاوة على البيئة المعقدة بالفعل للبلدان التي تواصل التعافي من وباء كوفيد 19.

كما تم، حسب التقرير، تشديد شروط التمويل إلى حد كبير، مما شكل ضغوطا على مختلف البلدان الناشئة والنامية، بسبب ارتفاع تكاليف الاقتراض ومخاطر التدفقات الرأسمالية الخارجية.

وحذرت المؤسسة المالية من أنه “قد تسهم الحرب في ا وكرانيا في استفحال التباين الخطير بين الاقتصادات المتقدمة واقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية”، مضيفة أنه، وبوجه ا عم، فا نها تهدد بتجزو الاقتصاد العالمي ا لى كتل جيوسياسية لكل منها معايير تكنولوجية ونظم مدفوعات عبر الحدود وعملات احتياطية خاصة بها.

وأضافت أن هذا “التحول الهيكلي” يمثل التحدي الأشد خطورة الذي يواجهه الإطار القاي م على القواعد الذي ظل يحكم العلاقات الدولية والاقتصادية على مدار الخمسة والسبعين عاما الماضية، مما يهدد بضياع المكاسب التي تحققت على مدار العقود العديدة الماضية.

وأشارت إلى أن أفقر البلدان تعد الأشد تضررا من الأزمات العالمية المتداخلة والمتعددة (الحروب والأوبئة والتضخم)، مضيفة أن البلدان النامية منخفضة الدخل شهدت انخفاضا حادا في دخل الفرد أثناء الوباء.

وأضافت “أنهم يواجهون الآن ارتفاعا مفاجئا في أسعار الطاقة والأسمدة والمواد الغذائية، الذي فاقمته الحرب في أوكرانيا”.

وفي حين أنه من المتوقع أن يعود الناتج الإجمالي في الاقتصادات المتقدمة إلى مساره السابق قبل الوباء بحلول عام 2025، فمن غير المرجح، تتوقع المؤسسة المالية، أن يتعافى قطاع التوظيف والنشاط الاقتصادي في الأسواق الناشئة والبلدان النامية منخفضة الدخل على المدى المتوسط ، مما يشير إلى عواقب دائمة.

وفي ما يخص الديون، أشار صندوق النقد الدولي إلى أن مواطن الضعف المرتبطة بالديون آخذة في الازدياد، الأمر الذي يمكن أن يولد تكاليف ومخاطر للمدينين والدائنين، وبشكل عام، يؤثر سلبا على الاستقرار والازدهار العالميين.

وسجل التقرير، في هذا الصدد، أن صندوق النقد الدولي قدم إعفاء من الديون بنحو 927 مليون دولار لصالح أفقر دوله الأعضاء.

وفي ما يتعلق بمكافحة تغير المناخ، تؤكد مؤسسة بريتون وودز أن تكاليف اقتصادية واجتماعية كبيرة تترتب عن هذه الظاهرة، وذلك بالمساهمة جزئيا في زيادة تواتر الكوارث الطبيعية وحدتها، مما يؤثر على الاستقرار الاقتصادي الكلي والمالي.

ولتحسين تجميع البيانات والإبلاغ عنها من أجل تسعير وإدارة مخاطر المناخ بشكل أكثر فعالية، اعتمد المجلس التنفيذي للصندوق في يوليوز 2021 استراتيجية لمساعدة البلدان الأعضاء على التصدي لتحديات السياسات المرتبطة بتغير المناخ.

و”تستند هذه الأداة إلى التعاون مع المنظمات الدولية الأخرى وتتضمن سلسلة من المؤشرات المميزة التي توضح تأثير النشاط الاقتصادي على تغير المناخ، وبالتالي توفير محطة واحدة لبيانات الاقتصاد الكلي ذات الصلة المتعلقة بتغير المناخ”.

وارتباطا بالتحول الرقمي، يلاحظ صندوق النقد الدولي أن الأشكال الرقمية للنقود متنوعة وسريعة التغير، مضيفا أن “الاحتمالات هائلة، لكن التحديات التي تواجه القادة شاقة أيضا ومعقدة وبعيدة المدى”.

وأبرز تقرير صندوق النقد الدولي أن أكثر التداعيات عمقا تتعلق باستقرار النظام النقدي الدولي، الذي يعتقد أنه يجب تصميم العملة الرقمية وتنظيمها بطريقة تجعل الدول الأعضاء تجني الفوائد المحتملة، بما في ذلك زيادة الشمول المالي والمزيد من الكفاءة الشاملة والمدفوعات الحدودية.

وتشدد الوثيقة على أن “تحقيق هذه الأهداف يتطلب إدارة المخاطر المرتبطة بتقلب تدفقات رأس المال وفقدان السيطرة على السياسة النقدية”، مشيرة إلى أن التعاون الدولي سيكون ضروريا لتخفيف التداعيات العابرة للحدود.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.