شباب الفنيدق والهجرة الجماعية…جرح ينزف في قلب الوطن

ما شهدته مدينة الفنيدق من محاولات هجرة جماعية صوب سبتة المحتلة لا يمكن اعتباره مجرد حدث عابر، بل هو صرخة شباب ضاق بهم الوطن، واستحال الأمل في أعينهم إلى سراب، الآلاف من الشباب والقاصرين، مغاربة وأجانب، تدافعوا صوب بوابة الأفق الغامض، بحثا عن مهرب من واقع تتساقط فيه كل الأحلام.

هذه الهجرة الجماعية، التي كادت أن تتحول إلى مأساة، تعري الواقع المرير الذي يعيش فيه آلاف الشباب في المدن المغربية المحرومة، خاصة في المناطق الحدودية، ليست سبتة بالنسبة لهم سوى بوابة للهروب من الفقر، البطالة، وانسداد الآفاق، فهل نستطيع حقًا أن نلومهم على حلمهم البائس بالهروب من معاناة اليوم؟

كثيرون عبروا عن شجبهم واستنكروا ما يحدث، ومنهم حزب التقدم والاشتراكية، الذي عبر عن قلقه العميق إزاء هذه الأحداث، ولكن القلق وحده لا يكفي، فما حدث في الفنيدق هو مساءلة حقيقية للسياسات العمومية في البلاد، أين نحن من مشاريع التنمية؟ أين هي تلك الخطط التي وعدت بإدماج الشباب في النسيج الاقتصادي والاجتماعي؟ فكيف نلوم شبابا يرفض واقعا تتناثر فيه الفرص كالغبار، فيتوجهون إلى آفاق مجهولة محفوفة بالمخاطر؟

ماذا فعلنا لهؤلاء الشباب سوى إغلاق الأبواب في وجوههم؟ أرقام البطالة تتفاقم، فرص الشغل تضيق، والفوارق المجالية تتسع كالهاوية، ومع كل هذا، يظل صوت السياسيين مبحوحا، وصمت الحكومة تجاه معاناة الشعب مدويا، وكأن هؤلاء الشباب ليسوا جزء من هذا الوطن، وكأنهم فقط أرقام في سجلات الإحصاء.

ما يجب أن نراه بوضوح هو أن هذه الأحداث ليست إلا نتاجا لسياسات تنموية فاشلة، حكومة غارقة في بيروقراطيتها، عاجزة عن التواصل مع شبابها، مشغولة في تبرير وضعها بدلا من معالجته، هذا الإهمال المنهجي لا يولد إلا المزيد من اليأس والانسحاب.

الوقت قد حان لإصلاح حقيقي وشامل، لا يكتفي بالتصريحات الفارغة أو الخطب الرنانة، بل يجب أن نبدأ بإعادة بناء الثقة بين الشباب والمؤسسات، ولا يمكن تحقيق هذا إلا بفتح فضاءات الحرية والديمقراطية، وتعزيز فرص العمل، وتحسين جودة التعليم والنظام الصحي، دون هذه الأساسيات، سيبقى الشباب ينظرون إلى الحدود كطوق نجاة، ولو كان طوقا محاطًا بالظلمات.

لقد آن الأوان أن ندرك أن المغرب، رغم الإنجازات التي حققها، لا يزال بعيدا عن توفير حياة كريمة لمواطنيه، خاصة الشباب منهم، وما لم تتخذ الحكومة خطوات جريئة لتعزيز العدالة الاجتماعية، فإننا سنظل نعيد نفس المشهد المؤلم، حيث يسعى آلاف الشباب إلى الهروب من وطن لا يوفر لهم سوى الإحباط.

إن هذه الهجرة الجماعية وما وقع بالفنيذق ليسا سوى مرآة تعكس فشل السياسات الحالية، والمغرب الذي نطمح إليه، هو وطن لا يضطر فيه أبناؤه إلى مغادرته بحثًا عن كرامة مفقودة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.