بقلم: مريم رقيوق
في نهاية طريق مسدود في أحد الأحياء الشعبية بمدينة سلا، يلمح العابر مجموعة شباب يتضحكون بصوت مرتفع وهم يشاهدون مقاطع فيديو على برنامج تيك توك.
وبغرض “لقتل الوقت”، يلتقي هؤلاء الشباب العاطلون عدة مرات في الأسبوع لممارسة هوايتهم المفضلة: تجاذب أطراف الحديث وتصفح شبكات التواصل الاجتماعي، وفي بعض الأحيان، مغازلة الفتيات العابرات.
لم يختاروا مقهى أو ناديا لعقد “اجتماعهم”، وإنما على مشارف أقرب دار للشباب توجد في موقع “استراتيجي” بعيدا عن أعين المتطفلين، وعلى بعد خطوات من مكب نفايات عمومي.
متكئين على الجدار الباهت للمبنى المغلق منذ فترة طويلة أو مفترشين الأرض عند مدخله، يتلهى هؤلاء الشباب بما يشاهدونه على شاشات هواتفهم، دون أن تكون لهم دراية بالماضي الجميل لهذا المبنى الذي شيد قبل نصف قرن، وأصبح وضعه اليوم لا يسر الناظرين بعدما عاش ذروة نشاطه في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، قبل وقت طويل من خروجهم إلى هذا العالم.
في ذلك الزمن الجميل، كانت دار الشباب هذه محضنا يمارس فيه الشباب هوايات من قبيل المسرح والقراءة والرسم والموسيقى والسينما، ويتفاعلون كمجتمع مصغر داخل أسوارها ويحتكون فيها مع كبار المفكرين والفنانين والشخصيات العامة، ما جعل منها من مدرسة حياة صغيرة ولجوها فتية وتلمسوا فيها أولى خطوات طريق النجاح الشخصي والمهني.
واليوم، لم يبق من ذلك الزمن الجميل سوى ذكريات غابرة وجدران بالية، وبقايا صور من ذلك العصر الذهبي.
هذا المآل المؤسف لدار الشباب هذه، هو نفسه ما آلت إليه 100 دار شباب أخرى أغلقت أبوابها من ضمن 670 دار موزعة في جميع أنحاء التراب الوطني، وفقا لمعطيات وزارة الشباب والثقافة والتواصل. على أن باقي المؤسسات التي ما زال فعلية، فيعاني بعضها من الإهمال فيما لا يشهد لبعض الآخر سوى إقبالا ضعيفا.
– عجز في الحكامة
هل يعزى هذا الوضع لقلة الموارد أو إهمال السلطات أو استياء الشباب الذين باتوا “رهائن” للعالم الافتراضي؟ الواقع أن الأسباب التي تقف وراء هذا الوضع المؤسف متعددة، لكن هناك حلا واحدا فقط يمكنه أن يفضي إلى معالجة هذا الأمر: إعادة روح الشباب إلى هذه الفضاءات وجعلها جذابة من الداخل كما من الخارج.
ولهذا الغرض بالضبط، صدر بالجريدة الرسمية، في غشت الماضي، مرسوم بتنظيم مؤسسات الشباب التابعة للسلطة الحكومية المكلفة بالشباب، وهو أول إطار قانوني ينظم دور الشباب بالمغرب التي تم إحداثها بظهير سنة 1958.
ويروم هذا المرسوم إرساء آلية للحكامة الجيدة من خلال تحديد الخدمات الموجهة للأطفال والشباب في إطار برامج سنوية من أجل القطع مع الفوضى والارتجال الذي عادة ما يميز تدبير هذه المؤسسات.
وبحسب عثمان مخون، عضو منظمة الفضاء الجمعوي، والمدير الإقليمي السابق بوزارة الشباب والرياضة، فإن هذا المرسوم يأتي في الوقت المناسب لملء فراغ تنظيمي، لكنه غير كاف لإعادة الدينامية لدور الشباب. فبالنسبة له، يجب إعادة النظر في طريقة الاشتغال برمتها.
يقول مخون في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن دور الشباب، باعتبارها بنيات للقرب، يجب أن تكون قريبة قدر الإمكان من الفئة الاجتماعية التي تستهدفها. ففي زمن الجهوية المتقدمة، من غير المعقول أن يستمر تدبير دور شباب توجد تازناخت أو كلميم من الرباط. “علينا تغيير المقاربة”.
ويقترح الفاعل الجمعوي، في هذا الصدد، أن تعهد الوزارة بهذه البنيات إلى الجماعات المحلية ويتم تدبيرها من قبل موظفي الجماعة وتمويلها من ميزانيتها الخاصة وميزانية شركائها (المجتمع المدني والقطاع الخاص، إلخ)، بشكل يجعلها قريبة من حاجيات الشباب وقادرة على تقديم الاستجابات المناسبة.