يبدو أن الساحة الفنية المغربية أصبحت في الآونة الأخيرة ساحة جديدة للصراع السياسي غير المعلن بين المغرب والجزائر، مع إعلان الفنان الجزائري الشاب بلال عن إقامة خمس حفلات غنائية بالمغرب خلال شهر أكتوبر الجاري.
الخبر الذي قد يبدو عاديا للبعض، أثار موجة غضب واستياء واسع بين المغاربة على منصات التواصل الاجتماعي، ليس بسبب حضوره الفني، ولكن بسبب مواقفه السابقة التي اعتبرت مسيئة للمغرب والمغاربة.
الشاب بلال.. من الاستهزاء إلى الاستبعاد
الغضب الشعبي لم يكن وليد اللحظة، بل جاء نتيجة لتراكمات تعود إلى تصريحات ومواقف الشاب بلال في مقابلات سابقة، حيث عبر عن دعمه للمنتخب الفرنسي في مونديال قطر 2022 على حساب المنتخب المغربي، واستفز مشاعر المغاربة برفضه حمل العلم المغربي في إحدى حفلاته السابقة بمهرجان موازين، متجاهلا رمزا وطنيا يمثل شريحة واسعة من جمهوره في المغرب، ورغم أن الفن غالبا ما يوصف بالجسر الذي يوحد الشعوب، إلا أن هذا الجسر في حالة الشاب بلال تحول إلى ساحة للهجوم والاستهزاء.
الضغط الشعبي يُثمر إلغاء الحفل
التفاعل الغاضب على وسائل التواصل الاجتماعي دفع العديد من المغاربة للمطالبة بتدخل وزارة الثقافة لوقف حفلات الشاب بلال، باعتبار أن الفنانين الذين يسيئون لبلد معين لا ينبغي أن يستمروا في إقامة حفلات في هذا البلد.
كما استشهد النشطاء بالتجربة المصرية، حيث تُظهر النقابات الفنية هناك حزما في منح التراخيص ومعاقبة من يتجاوز الخطوط الحمراء.
ولم يكن الضغط الشعبي دون أثر؛ حيث أعلن منظمو “الملتقى الوطني للتفاح” عن إلغاء حفل الشاب بلال الذي كان من المقرر إقامته في 19 أكتوبر بميدلت، مبررين ذلك بتلبية رغبة الجمهور وتعويضه بفنان آخر، وهذا القرار يعد انتصارا للجماهير المغربية التي شعرت بالإهانة من مواقف بلال السابقة.
من الفن إلى السياسة: الربح المادي على حساب السمعة الوطنية؟
من ناحية أخرى، وجه العديد من النشطاء انتقادات لاذعة لمنظمي الحفلات الذين يستضيفون فنانين ذوي مواقف معادية للمغرب، متهمين إياهم بالسعي وراء الربح المادي على حساب سمعة الوطن.
وفي هذا السياق، دعا البعض إلى مقاطعة استضافة الفنانين الجزائريين بشكل عام، مشيرين إلى توتر العلاقات بين البلدين نتيجة السياسات العدائية التي يتبناها النظام الجزائري، ومنها فرض التأشيرة على المواطنين المغاربة.
التناقض بين الفنانين الجزائريين والمغاربة
الجدير بالذكر أن الشاب بلال ليس الفنان الجزائري الوحيد الذي يشارك في تظاهرات فنية بالمغرب، حيث يواصل العديد من الفنانين الجزائريين مثل رضا الطلياني، الشاب خالد، والشاب فوضيل، إحياء حفلات ناجحة في مدن مغربية.
في المقابل، لا يمنح الفنانون المغاربة فرصًا مماثلة في الجزائر، ما يعكس تناقضا واضحا في العلاقات الثقافية بين البلدين، والتي تتحكم فيها السياسة إلى حد بعيد.
الهوية والفن: صراع أم تلاقح؟
في النهاية، يثير هذا الجدل حول الشاب بلال سؤالا أعمق: هل الفن أداة للتقارب بين الشعوب، أم أنه مجرد واجهة أخرى للصراع السياسي؟ فبينما يجب أن يكون الفن جسرا للتواصل والاحترام المتبادل، يبدو أن هناك خطوطا حمراء تتعلق بالهوية والكرامة الوطنية لا يمكن تجاوزها، مهما كانت المغريات المادية، في حين أن بعض الأصوات تدعو للفصل بين الفن والسياسة، يبقى التحدي الأكبر هو كيفية الموازنة بين حرية التعبير واحترام المشاعر الوطنية.