لا تزال مظاهر تنامي الإسلاموفوبيا في أوروبا تحديدا تطرح إشكلات عدة للمسلمين في هذه البلدان، سواء كانوا أوروبيين أو مهاجرين، واضعة جودة حياتهم على المحك، كما أبانت الهجمات المتتالية التي يتعرضون لها أو التي تمس الرموز المقدسة للدين الإسلامي.
إلا أن ما تثيره الإسلاموفوبيا لا يرتبط فقط بمشاكل الحياة اليومية للمسلمين بأوروبا، بل يحيل إلى إشكالات متشعبة متعلقة بالخطاب الغربي تجاه القيم الكونية وحول حقوق الإنسان، وعلى رأس ذلك قيمة الحرية، حيث أضحى من الضروري محاولة فهم خلفيات هذه التحديدات المفاهيمية، والأجندات التي تستفيد منها ولأي غرض.
في محاولة للرد على هذه الأسئلة، يشير عبد الله إدالكوس، باحث في الفكر الإسلامي المعاصر، إلى ضرورة الرجوع إلى موضعة الإسلاموفوبيا تاريخيا، مؤكدا أنها ليست ظاهرة وليدة هذا العصر، وإن كان بروز وتشكل المفهوم لم يتم إلا مع الدراسات السوسيولوجية التي برزت إبان الاستعمار، خصوصا في الأدبيات السوسيولوجية الفرنسية.
ويرى إدالكوس، في تصريحه لجريدة “جهات” الإلكترونية، أن الاستشراق التقليدي شكل الأرضية العلمية والفكرية لهذا الخوف من الإسلام، “ذلك أن جل الدراسات الإستشراقية كانت تتجه نحو ترسيخ فكرة التفوق الغربي، ونحن نعرف جميعا كيف ارتبطت هذه الدراسات بالاستعمار وذلك من خلال الرغبة في فهم الإنسان المشرقي المسلم بالخصوص من أجل تسهيل عملية السيطرة السياسية”، مشددا على أن هناك 4 عوامل على الأقل تؤثر حاليا في تنامي هذا الخوف.
وفصل الباحث في الفكر الإسلامي المعاصر في هذه العوامل منطلقا من العامل الثقافي النفسي، حيث يرجع بالأساس إلى الجهل بطبيعة الإسلام والذي تولد عن الصورة النمطية التي أسست لها الأدبيات العلمية الغربية لقرون من الزمن وأفرزت بالتالي نظرة سائدة ترى أن الإسلام يعادي كل ما هو حديث من نظم سياسية قائمة على مفاهيم الدولة الحديثة، وأن تشريعات الإسلام جامدة وتنتمي لمرحلة ما قبل الحداثة، ولا يمكنها بالتالي أن تنسجم مع القيم والنظم الأوروبية.
في مستوى ثاني يشير الباحث إلى العامل السياسي، وهو من أخطر العوامل التي سرعت وثيرة نمو الإسلاموفوبيا خصوصا في العقود الأخيرة، خاصة مع الأحداث السياسية الكبرى والمتمثلة في نجاح الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979 وما ارتبط بها من أحداث ساهمت في تأزيم العلاقة بين الدولة التي تقدم نفسها باسم الإسلام وبين الغرب خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة قضية الرهائن، حيث شكلت هذه المسألة المحك الأول لصياغة الصورة النمطية عن الإسلام بعد تشكله في صيغة دولة، إلى جانب ترسيخ هذه الصورة مع أحداث 11 سمبتمر 2001، مشيرا إلى أنه على ضوء هذه الأحداث تم تقسم المعمورة إلى قسمين الخير والشر/ مع أو ضد، “وعلى ذلك تم احتلال بلدين مسلمين كان ينظر إليهما غربيا باعتبارهما أنموذجان للخطر الإسلامي هما أفغانستان والعراق، وإلى جانب ما ذكرنا في العامل السياسي يحضر أيضا شق في آخر ارتبط بما سمي بالربيع الديمقراطي بمنطقة المشرق وشمال إفريقيا، حيث اكتشف الغرب قوة تنظيمات الإسلام السياسي في تأطير هذا الحراك”.
في مستوى ثالث، يرى إدلكاوس أن العامل الديموغرافي بدوره لعب دورا محوريا خاصة من مدخل الهجرة، “فقد شكل الوافدون إلى أوروبا من الدول المسلمة الجالية الأكبر في عديد من دول هذه القارة، وصدحت أصوات أوروبية من جميع الفئات سواء السياسية أو الأكاديمية إلى هذا التحول الديموغرافي وما يمكن أن يشكله من خطر على الهوية المسيحية لأوروبا، وازداد الأمر حدة مع توالي الأجيال وفشل كثير من سياسات هذه الدول في إدماج المواطنين الأوروبيين من أصول عربية أو مسلمة، خصوصا إذا أضفنا إلى ذلك مشكل الشيخوخة التي تعاني منها القارة الأوروبية”.
أما العامل الرابع فيتمثل في العامل الإعلامي، حيث ساهمت الثورة التكنلوجية المعلوماتية في تسريع وثيرة الفعل ورد الفعل، وتبادل المعلومات وترويجيها سواء كانت صحيحة أو خاطئة، دون أن تمنح فرصة للمتلقي في ممارسة النقد والتمحيص، وبذلا من ذلك رسخت هذه التكنلوجية المعلوماتية منطق التجييش والتضخيم، ومنحت بالتالي فرصة ذهبية لهؤلاء المتلاعبين بالعقول، وفق ذات المتحدث.
تعد هذه العوامل الأبرز لصعود الإسلاموفوبيا، وهو ما جعل اليمين المتطرف الأوروبي يحصل على دعم شعبي بشكل مستمر، ليذكي بذلك شرارة هذا النزاع تحت مسميات عدة، ويصبح بذلك سلاحه ضد المهاجرين، وهو ما فصل فيه ابراهيم امرابط، دكتور وباحث في قضايا الهجرة، مشيرا إلى أن اليمين المتطرف يبني حملاته الانتخابية ومقترحات القوانين التي يتقدم بها ويدافع عنها في مختلف البلدان الأوروبية من أجل الحصول على دعم المواطنين، على التخويف من الامتداد الإسلامي عن طريق المهاجرين خاصة مهاجري شمال إفريقيا من المغرب والجزائر وليبيا.
ويضيف الدكتور امرابط، في تصريحه لجريدة “جهات” الإلكترونية أن اليمين المتطرف سعى جاهدا من أجل الظفر بمقاعد بالبرلمان وتشكيل الحكومة، وذلك من أجل شرعة قوانين تضيق الخناق على المهاجرين بهذه البلدان، خصوصا المهاجرين من شمال إفريقيا وتخويف المجتمع منهم ومن سلوكاتهم، مشددا على أن هذه الأحزاب تعمل على تسويق فكرة مفادها أن كل مهاجر هو مشروع متطرف.
ويكشف امرابط أن أصحاب الإديولوجيا المتطرفة عادة ما يكونون متدينين وتحديدا من المسيحين الكاثوليك، ويعبرون عن رفض صريح للمهاجرين، مستدلا في ذلك بكون أوروبا تعرف بكثرة المهاجرين من البلقان وروسيا واليونان وغيرها من الدول ذات الأغلبية المسيحية، “ولا يتحدث أحد عنهم على أنهم يشكلون تهديدا، لكن التهديد الذي يتحدث عنه هؤلاء الأحزاب هو تهديد ديني أكثر منه تهديد اقتصادي، وهو ما يبرز أكثر في تركيز هذه الأحزاب على ديموغرافية المهاجرين ونسب تكاثرهم وتوالدهم المرتفعة بالمقارنة مع غيرهم من المواطنيني الآخرين سواء كانو مهاجرين أو أصليين ذوي الديانة المسيحية”.
وبهذا يرى امرابط أن الأصل في الإشكال يرتبط بما هو ديني بدرجة أولى، “لأنهم يعتبرون أنه إذا استمر الوضع على ما هو عليه في مجموعة من الدول فستكون مستقبلا ذات أغلبية دينية مسلمة، ولهذا ظهرت مجموعة من التقارير الديموغرافية التي تتحدث عن هذا التهديد الإسلامي الديموغرافي، ومجموعة من الفيديوهات والروبورطاجات التي تخوف المجتمع الأروبي من اكتساح أبنائهم الذين يتكاثرون مقارنة مع معتنقي الديانة المسيحية، حتى أن بعد التقارير التي صدرت مؤخرا وجدت ان في بريطانيا أكثر الأسماء شعبية وتداولا هو اسم محمد. نظرا لأن أغلب المهاجرين الذين يرزقون بمواليد جدد ذكور يسمونهم بعذا الاسم، حتى أصبح الإسم الأكثر شعبية وتداولا مقارنة بباقي الأسماء الكاثوليكية” يضيف ذات الباحث.