تلقى الرأي العام المغربي المذكرة رقم 30/23 الصادرة عن وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بشأن تعميم اللغة الإنجليزية بالثانوي الإعدادي، باستحسان كبير، معتبرا أنها خطوة نحو تدعيم اللغات والخروج من قبضة اللغة الفرنسية بما تحمله من دلالات اجتماعية وثقافية وتاريخية.
وتميز النقاش الذي أعقب صدور المذكرة بالإيجابية والتفاؤل بهذه الخطوة، واعتبارها مؤشرا على الرغبة السياسية والعمل الفعلي لإصلاح التعليم، لكن بالمقابل يدفعنا هذا النقاش لطرح التساؤلات الآتية: ما مدى استعداد المؤسسات التعليمية لتطبيق هذه المذكرة؟ وهل أعدت الوزارة الشروط الأساسية لإنجاح تعميم اللغة الإنجليزية؟ وكيف يمكن أن ننظر للسياق الزمني الذي صدرت فيه المذكرة في ارتباط بموعد تطبيقها؟
- محدودية مشروع تعميم اللغة الإنجليزية
في هذا السياق، يرى الخبير التربوي والمفتش السابق، عبد الرزاق بن شريج، أن فكرة المذكرة فكرة هامة ومطلوبة، إنصافا للمدرسة العمومية مقارنة بالمدرسة الخصوصية التي تدرس الإنجليزية منذ السلك الابتدائي، مبرزا أن مسألة “تدريس اللغات” أسالت الكثير من المداد.
بالمقابل يرى بن شريج، في حواره مع موقع الأول للأخبار، أن الأسئلة المرتبطة بمدى “الاستعداد للتنزيل” الجيد والحقيقي العملي للمذكرة تبقى مطروحة وتحتاج للمزيد من التدقيق واستشارة أهل الاختصاص ميدانيا من”المفتشين” و”المدرسين” والإدارة التربوية”، مشددا على أن إصدار تعليمات مركزية دون استحضار الواقع الميداني يبقى من بين أكبر عوائق إنجاح أغلب المشاريع الإصلاحية.
ويضيف بن شريج أن المذكرة التي تعتبرها الوزارة مواصلة لتنزيل أحكام القانون الإطار رقم 17.51 وتفعيلا لمقتضيات خارطة الطريق 2026-2022 ، “مع إقحامها دستور المملكة في مقدمتها (المذكرة)”، خطوة إيجابية، مسجلا في الآن ذاته العديد من الملاحظات بشأنها.
ويعتبر الخبير التربوي أن تجربة التعميم تبقى محمودة في انتظار مزيد من التعميم في المستويات الدنيا، مستدركا أن الطريقة التي سيتم بها التعميم تكاد تنقصها رؤية علمية واضحة المعالم، “إذ كان من المفروض توفير شروط النجاح لهذا التعميم”.
وبرى بن شريج أن “استمرار الوزارة في رمي الكرة في ملعب الأكاديميات والمديريات الإقليمية لن يزيد المنظومة التربوية إلا تأزيما وتخلفا، وتوسيع منسوب فقدان الثقة فيما تصدره”، مؤكدا أن المصالح المركزية تعيش في برجها العاجي على تصورات للمنظومة غير موجودة في الواقع المجالي/الجغرافي المغربي، “فالمذكرة الوزارية المذكورة تنص على إحداث لجنة مركزية للقيادة يعهد إليها تتبع وتقويم تنفيذ تعميم الإنجليزية في مختلف مراحله، فضلا عن إحداث لجان قيادة جهوية وإقليمية تسهر على التخطيط والتنفيذ لمسار وإجراءات هذا البرنامج، وهي عملية مقلوبة. التدبير يحتاج لمسؤولين ينطلقون من الواقع المعيش، وليس حسب رغبة المؤسسات المانحة الخارجية”.
- السياق الزمني للمذكرة
وفي إطار سؤالنا حول السياق الزمني للمذكرة، يرى الخبير التربوي أن صدور المذكرة يتزامن مع فترة الامتحانات، “مما يعني أنها لن تؤخذ بعين الاعتبار من طرف الأكاديميات التي تعيش على واقع وهاجس الخوف من تسريب الامتحانات أو عدم إنجاحها، خاصة إذا علمنا أن وزارة التربية الوطنية تعتمد في ذلك على المقاربة الأمنية وليس التربوية”، مبرزا: “بما أن التنزيل سيبدأ في السنة الدراسية 2023/2024، فكان من الأنسب إصدار المذكرة في بداية السنة الدراسية الحالية، حتى يفكر في المشروع بروية وحكمة”.
وكشف بن شريج أن بعض الكواليس تشير إلى اشتغال مجموعة من الأساتذة والمفتشين تحت إشراف “خبراء” دولة أجنبية ناطقة بالإنجليزية، مضيفا أنه “حتى لو فرضنا أن هذا التسريب صحيح فهاجس السيطرة على سوق الكتاب المدرسي من طرف لوبيات التأليف والنشر ستكون هي سبب التعتيم”.
- شروط إنجاح تعميم اللغة الإنجليزية
وأوضح الخبري التربوي، انطلاقا من بحث شخصي له واستشارة مجموعة من الممارسين الميدانيين والمهتمين (مدرسون، مفتشون، مديرون، حراس عامون للخارجية) أن الجميع خلص إلى أن إنجاح هذا الورش يحتاج إلى 4 نقط أساسية، حيث يجب أن يتم تكوين موارد بشرية مؤهلة للتدريس، مبرزا أنه لا يمكن حل المشكل بعملية حسابية بشأن توزيع عدد الأقسام على عدد ساعات عمل الأستاذ، “المشكل على أرض الواقع أعمق من عملية حسابية/تقنية، وتدبير الزمن المدرسي جد معقد”.
وفي مستوى ثاني يشير بن شريج إلى أهمية تدبير الزمن المدرسي، حيث من المتوقع أن يضطر بعض الأساتذة والأستاذات إلى اتمام 24 ساعة المنصوص عليها في المذكرة الوزارية والعمل في أكثر من مؤسسة واحدة، مبرزا أن المذكرة تقول: {وتراعى في عملية التعميم المحددات التالية وهي اعتماد جداول حصص بتخصيص 24 ساعة في الأسبوع لكل مدرس، أي 12 قسما لكل مدرس، مع اعتماد ساعتين أسبوعيا لتدريس}”،
ويضيف بن شريج أن هناك في الوقت الحالي أساتذة وأستاذات بالوسط القروي لا يتجاوز جدول حصصهم 6 ساعات، وعلى الوزارة الإجابة عن سؤال: أين سيتم تكليف هؤلاء؟
في مستوى ثالث، يدعو بن شريج إلى توفير العدة الديداكتيكية اللازمة، وخاصة الكتب المدرسية، موضحا أنه لا يوجد منهاج/مقرر خاص بالمستويين المعنيين حاليا، “علما أن المقرر الخاص بالسنة الثالثة إعدادي الذي درست به المادة منذ عقدين تقريبا كان في الأصل مخصصا للمستوى الأول إعدادي كما يشير إلى ذلك الرقم واحد في الغلاف، ولسبب نجهله تم اعتماد المقرر آنداك في المستوى الثالث إعدادي، ومنذ اتخاذ هذا القرار غير الواضح تربويا والمدرسون يشتكون من كون المحتوى لا يتطابق مع سن التلاميذ”.
وختاما يقف بن شريج عن التدرج في التعميم من المستوى الأدنى إلى الأعلى عوض التنزيل بالجملة، مشيرا إلى أن “الإنجليزية من بين المواد غير المعممة، ومن المحتمل أن يجمع القسم الواحد من سبق أن استفاد منها في مستويات أدنى ومن لم يستفد، فتصبح ظاهرة الأقسام المشتركة التي ننادي بمحاربتها بالإبتدائي منتشرة بالثانوي الإعدادي”.