برلمان.. تحديات اقتصادية واجتماعية ترخي بظلالها على دورة أبريل التشريعية

يونس أقجوج-ومع

يدشن البرلمان المغربي بمجلسيه (النواب والمستشارين) يوم الجمعة المقبل، دورته الثانية برسم السنة التشريعية 2022 – 2023، والتي تنعقد في خضم سياق وطني موسوم بالعديد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية، أبرزها ضبط أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية والتحكم في التوزازنات المالية مع الحفاظ على دينامية الاقتصاد وتعزيز مناعته وقدرته على الصمود في ظل طرفية عالمية سمتها الأبرز توالي الأزمات والصدمات.

هذا السياق الضاغط يستدعي، حسب المتتبعين، تجاوبا من قبل المؤ سسة التشريعية مع متطلبات وإكراهات المرحلة، من خلال الأدوار التي تضطلع بها ولاسيما في ما يتعلق بمراقبة العمل الحكومي والوقوف على مدى فعالية التدابير المتخذة لمواجهة تبعات الظرفية السوسيو اقتصادية الراهنة، وجعلها في صدارة الاهتمامات.

كما تنتظر الدورة التشريعية الربيعية التي ستمتد لأربعة أشهر، ملفات مهمة أخرى تتعلق بتنزيل ورش الحماية الاجتماعية والترسانة القانونية المواكبة له المتعلقة بإصلاح قطاع الصحة، إضافة إلى جملة من القضايا ذات الراهنية الكبرى، من أبرزها مشروع القانون الجنائي وإصلاح مدونة الأسرة.

وبخصوص الرهانات المطروحة على دورة أبريل التشريعية، قال حسن أهويو، الباحث المتخصص في القانون الدستوري والبرلماني، إن هذه الدورة مقيدة بضرورة تركيز الجهد الجماعي حول ثلاثة أبعاد، انسجاما مع الخطاب الملكي السامي الافتتاحي لأول دورة من الولاية التشريعية الحالية، تتعلق ب”تحصين السيادة الوطنية الصحية والطاقية والغذائية لتعزيز الأمن الاستراتيجي للبلاد”، و”مواصلة انعاش الاقتصاد وتحفيز الاستثمار المنتج”، و”إطلاق مشاريع وإصلاحات جديدة لتنزيل النموذج التنموي”.

وسجل الباحث في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء وجود عدة رهانات تفرض مضاعفة مجهود المؤسسة البرلمانية وتعزيز أدائها وتعاونها في مجالات التشريع والمراقبة وتقييم السياسات العمومية، بما يحقق مساهمتها المثمرة في معالجة إشكاليات ارتفاع الأسعار وعوائق الاستثمار وغيرها، فضلا عن إثبات فعالية هياكلها وتفاعلها وقدرتها على تقديم الحلول لمختلف القضايا التي تؤرق المواطنين.

فعلى مستوى الرهانات التشريعية، أكد أهويو على ضرورة تجاوز ما أسماه “الكوابح المصلحية” التي عرفتها بعض النصوص التشريعية وتفعيل مسطرة التشريع المتعلقة بها، مثل النص المتعلق بتنظيم الإضراب وتعديل قانون الصحافة والنشر ، وكذا رهان استكمال دراسة النصوص التشريعية ذات الطبيعة التقنية والتي لا تثير في غالبيتها جدلا سياسيا، بالإضافة إلى النصوص الأخرى التي ستعرض بعد مصادقة الحكومة عليها كمشروع قانون تنظيم وتدبير المؤسسات السجنية.

وأشار في ذات السياق إلى الرهان المتعلق باستكمال المنظومة التشريعية التي تهم مؤسسات الحكامة، من خلال تسريع إخراج النص القانوني المتعلق بمجلس الجالية المغربية بالخارج، تطبيقا لأحكام الفصل 163 من الدستور، فضلا عن الدفع بتفعيل باقي الالتزامات التشريعية المهمة، كإصلاح القانون الجنائي والمسطرتين المدنية والجنائية ومدونة الأسرة، ومراجعة مدونة الشغل واعتماد قانون للنقابات، وكذا تعزيز المنظومة التشريعية لتكريس المنافسة الاقتصادية المواطنة والمتوازنة وحماية الأمن الغذائي.

وعلى المستوى الرقابي، أكد السيد حسن أهويو على الحاجة إلى رفع دينامية وجاذبية جلسات الأسئلة البرلمانية من حيث جودة القضايا والمواضيع التي تعالجها، مبرزا أنه يفترض أن تخصص جلسات المساءلة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة للحكومة لمناقشة مواضيع حيوية سبق إدراج التزامات بشأنها في البرنامج الحكومي وتكتسي مراقبتها البرلمانية وتتبعها المجتمعي أهمية كبرى، من قبيل حماية وتوسيع الطبقة الوسطى، وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، وتعزيز الشفافية وتكافؤ الفرص.

كما شدد على ضرورة مواصلة دينامية جلسات الأسئلة الشفوية الأسبوعية بنفس سياسي يثري النقاش العمومي في القضايا التي تستأثر باهتمام كبير، مع تجنب التكرار والطابع الروتيني في فحوى الأسئلة وأجوبتها.

وعلى مستوى اللجان الرقابية، أبرز الخبير في القانون البرلماني أنه يجب أن تعكف هذه الأخيرة على مناقشة مواضيع رقابية وطارئة وعاجلة تستأثر باهتمام الرأي العام الوطني، لافتا إلى أهمية رفع الجاهزية للتجاوب مع طلبات الفرق والمجموعات النيابية بشأنها باعتبارها فرصة مهمة للوقوف على الأداء الحكومي والإصغاء إلى وجهات النظر المتعددة ومقترحات الحلول الممكنة.

وارتباطا بالمهام الاستطلاعية المؤقتة للجان الرقابية، اعتبر السيد أهويو أن الدورة الربيعية للبرلمان ستمثل فرصة مواتية لاستكمال مسطرة عرض ومناقشة تقارير المهام الاستطلاعية، لاسيما تلك المتعلقة بشبكات توزيع وتسويق المنتجات الفلاحية، لإطلاع الرأي العام على نتائجها واقتراحاتها قصد تعزيز المجهود الحكومي، مع استكمال مهام استطلاعية أخرى.

من جهة أخرى، أكد المتحدث على جسامة المسؤولية الدستورية المنوطة بالمعارضة البرلمانية للمساهمة بفعالية في إبداع أجود الحلول الممكنة لمختلف القضايا التي تهم الوطن والمواطنين.

وبعد أن أشار إلى تأثير الكوابح القانونية والذاتية والموضوعية المقيدة لمبادرات المعارضة، لاسيما في ظل ضعف عدد أصواتها، والنقص في رصيد تجربة جزء منها، لفت المتحدث إلى وجود رهانات متعددة مفتوحة أمام هذه المعارضة لتثمين فرص الارتقاء بأدائها وتفعيل دورها الدستوري في المساهمة في العمل البرلماني بكيفية فعالة وبناءة.

وشدد على أن هذا الرهان الدستوري والسياسي يقتضي بذل مجهود مضاعف من لدن فرق ومجموعة المعارضة البرلمانية للاقتراب من المواطن والتواصل المستمر معه وتقديم الحلول والأجوبة السياسية المقنعة بخطاب قوي، مع التحرر من “توازن الحسابات الحزبية والسياسوية”.

وخلص الباحث إلى القول، إن التحديات المتعددة المطروحة على أجندة دورة أبريل التشريعية “ينبغي أن تشكل فرصة مواتية لمضاعفة وتجويد أداء التشريع والمراقبة والتقييم وإثبات نجاعة المؤسسة البرلمانية وقدرتها على استيعاب نبض المجتمع بحلول مواطنة وناجعة”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.