التهامي الوهابي-ومع
يخلد المغرب، اليوم الجمعة، اليوم الوطني لمحاربة الرشوة، وهي مناسبة للوقوف على الجهود التي تبذلها المملكة من أجل محاربة هذه الظاهرة، التي تشكل إحدى العوائق الرئيسية أمام تحقيق التنمية. وبالفعل، فقد أكدت مجموعة من التقارير على ضرورة القضاء على الرشوة كشرط أساسي للدفع بعجلة التنمية، لاسيما التقرير الصادر عن لجنة النموذج التنموي الجديد، الذي شدد على أهمية “محاربة الرشوة على جميع المستويات، بصفتها مصدرا للتعسف وانعدام الحماية لدى المواطنين”.
كما دعا التقرير المؤسسات المشاركة والساهرة على ترسيخ دولة الحق والقانون والحكامة، ومن بينها الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، إلى القيام بالمهام الموكولة إليها طبقا لأحكام الدستور. وفي هذا الصدد، شكلت السنة المنصرمة محطة بارزة في مجال مكافحة الرشوة، من خلال تعيين صاحب الجلالة الملك محمد السادس الأعضاء الأربعة للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، الذين يخول القانون المنظم لها لجلالته حق تعيينهم، وذلك يوم 24 أكتوبر 2022.
وتهدف هذه المؤسسة الوطنية إلى تنفيذ سياسات محاربة الفساد، والمساهمة في تخليق الحياة العامة، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة وثقافة المرفق العام وقيم المواطنة المسؤولة، وتوفير الآليات لضمان التأطير القانوني لممارسة مهام تلقي الشكايات والتبليغات وإنجاز الأبحاث والتحريات، بالإضافة إلى أنشطتها الوظيفية في مجال التعاون والدعم، وكذا إعداد التقارير والتوصيات.
وأكدت الهيئة، في تقرير لها صدر مؤخرا، على ضرورة جعل محور الحكامة ومكافحة الفساد يتبوأ موقع الصدارة في بلورة وإعداد السياسات العمومية الهادفة إلى تحقيق التنمية، وذلك من أجل ضمان بلوغها وتحقيقها للأهداف المسطرة، مبرزة أهمية الرفع من منسوب الثقة والانخراط في جهود مكافحة الفساد، من خلال تعزيز شروط النهوض بحركية مواطنة تدعم الجهود المؤسساتية برفض الفساد والتبليغ عنه.
وأوصت الهيئة بتثبيت المفاهيم الجديدة للخدمة العامة المؤط رة بالحكامة المسؤولة، مؤكدة على أهمية تعميق المعرفة الموضوعية بظاهرة الفساد للتمكن من رصد تمظهراته وبؤر انتشاره، واستظهار أسبابه وآثاره، وصولا نحو استهدافه بالآليات المناسبة لمكافحته والوقاية منه.
وفي هذا الصدد، أبرز الباحث الأكاديمي والمحلل السياسي، عتيق السعيد، أن المغرب حقق مكتسبات مهمة في مجال محاربة الرشوة شملت في المقام الأول تثبيت قيم الشفافية وتعزيز النزاهة والإنصاف، واعتماد مبادئ الحكامة الجيدة في سبيل المكافحة الجادة لكل مظاهر الفساد من خلال التفعيل الصارم لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وذلك بهدف تخليق الحياة العامة، والحفاظ على الأموال والممتلكات العمومية، وهي إجراءات من شأنها تعزيز الثقة بين المواطن والمؤسسات.
وذك ر الباحث، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، بالتوجيهات الملكية السامية التي ما فتئت تحث على ضرورة تبني أعلى درجات تخليق الحياة العامة عبر ترسيخ مبادئ الشفافية والنزاهة وتكافؤ الفرص ومحاربة كل مظاهر الفساد كيفما كانت أوجهها وأنماطها، بغية التجاوب الدائم مع تطلعات المواطنين أينما كانوا وحاجتهم إلى الاستفادة المستمرة من جودة الخدمات المقدمة وفعاليتها في تيسير نمط عيشهم، من أجل تحقيق مقومات التنمية المستدامة والمدمجة ضمانا لكرامة ورفاهية المجتمع.
وسجل أن المغرب اعتمد مقاربة استباقية لمحاربة الرشوة حيث قامت رئاسة النيابة العامة بإحداث آلية لتلقي شكايات وتبليغات المواطنين بشأن الرشوة ومختلف صور الفساد، باعتبار ذلك من أولويات السياسة الجنائية، ويتعلق الأمر بخط مباشر موضوع رهن إشارة المواطنين يمكن من تلقي مكالمات للتبليغ عن الرشوة ومعالجتها من طرف مركز الاتصال برئاسة النيابة العامة، المجهز بكافة الوسائل التكنولوجية، وبالتالي المساهمة في تسريع وفعالية آليات محاربة الرشوة داخل المجتمع.
وأبرز عتيق السعيد أن المغرب وضع منهجية للتصدي لأضرار هذه الظاهرة ” الوخيمة والمعرقلة للتنمية، والمنافية للقانون والمواطنة والتعاليم الدينية “، وبالتالي جعلها أولوية كبرى لدى الجميع سواء أفرادا أو جماعات أو سلطات وهيئات، بغية مكافحتها بالإرادة الحازمة، والصرامة في تطبيق القانون، مع الأخذ برهان التفعيل السليم للحكامة الجيدة، باعتبارها الآلية الناجعة لتحقيق المواطنة المثلى . وشدد في هذا الصدد، على أهمية اعتماد مقاربة تقييمية للمكتسبات التي حققها المغرب في مجال مكافحة الفساد، واستثمار التراكمات والإنجازات ومراجعة الإخفاقات والنواقص التي طبعت المراحل السابقة، لكون الفساد/الرشوة ظاهرة تتجدد وتتفاعل في ذات الأمر، في سياق التحولات المجتمعية واتساع رقعتها ، داعيا إلى تطوير آليات تساير التطور الحاصل فيها وتضمن آليات الاستباق والاستشراف. وخلص الباحث الأكاديمي إلى أن كل هذه الإصلاحات “تحتاج اليوم أن يكون لها تأثير فعال ودائم، من خلال جعل العنصر البشري في قلب الاهتمام، واعتماد التوعية المتواصلة بثقافة نبذ الرشوة ومحاربتها، تحقيقا لتغيير عميق بالمجتمع، لاسيما وأن المغرب يشهد نموذجا تنمويا جديدا سيشكل فرصة لتحقيق الإقلاع التنموي الشامل ” .