مرة أخرى، وفي مشهد بات مألوفا، يخرج المشككون على مواقع التواصل الاجتماعي، يسخرون، يستهزئون، ويتهمون الدولة بـ”فبركة” تفكيك الخلايا الإرهابية، كأنهم لم يسمعوا بعد بالموت الذي كان يطرق أبواب هذا الوطن، كأنهم تناسوا الدماء التي سالت فوق إسفلت الدار البيضاء عام 2003، أو تلك التي امتزجت برائحة القهوة والرماد في مقهى “أركانة” عام 2011، وهؤلاء الذين يشككون في كل شيء، ويكذبون كل حقيقة، هل يتوقعون أن يبقى المغرب مكتوف الأيدي حتى يدفع الثمن من جديد؟
الأسبوع المنصرم، تمكنت المصالح الأمنية المغربية من تفكيك خلايا إرهابية بعدد من المدن، في عملية دقيقة امتدت من العيون جنوبا إلى طنجة شمالا، مرورا بالدار البيضاء، فاس، تاونات، أزمور، جرسيف، أولاد تايمة، وتامسنا بضواحي الرباط، هم 12 إرهابيا تتراوح أعمارهم بين 18 و40 سنة، بايعوا تنظيم “داعش” وانخرطوا في الإعداد لمشاريع إجرامية تهدف إلى زعزعة أمن البلاد.
لكن، وكما هو متوقع، لم يسلم هذا الإنجاز من سهام التشكيك، خرجت أصوات نشاز، تهرف بما لا تعرف، تدعي أن هذه العمليات مجرد “مسرحيات”، وأن الهدف منها هو “إخافة الشعب”! وكأن هؤلاء الإرهابيين لم يكونوا يخططون فعلا لهجمات دامية، وكأن العشرات ممن قبض عليهم سابقا لم يعترفوا أمام العدالة بنياتهم الدموية، هل يجب أن تقع الكارثة حتى يقتنع المشككون؟ أم أنهم لن يستفيقوا إلا بعد أن تمسّ نار الإرهاب ذويهم وأحبابهم؟
من يشكك في هذه العمليات، إما أنه لم يقرأ التاريخ، أو أنه يتغافل عامدا متعمدا عن الحقائق، المغرب ليس حديث العهد بمواجهة التطرف، فهو بلد يعرف جيدا معنى أن يكون في مرمى نيران الإرهاب، ولهذا فإنه لا ينتظر حتى تزهق الأرواح، بل يضرب بيد من حديد قبل أن تتسرب الفوضى إلى أوصاله.
منذ سنوات، والمغرب يتبع سياسة استباقية صارمة في مواجهة الإرهاب، مستعينا بجهاز أمني كفء، واستخبارات يقظة، وقوانين تواكب التحديات الأمنية المستجدة، وهذا النهج هو الذي جعل المغرب اليوم واحدا من أكثر الدول أمانا في المنطقة، رغم أنف المشككين، ورغم كل محاولات التقليل من شأن هذه الجهود.
إن المثير للسخرية أن بعض هؤلاء المشككين ينامون مطمئنين في بيوتهم، يسيرون في شوارع آمنة، يرسلون أبناءهم إلى المدارس دون خوف، ثم يخرجون لينكروا كل هذا الأمان الذي لا يوجد في كثير من البلدان التي احترقتها نيران الإرهاب، وهؤلاء لا يدركون أن الأمن ليس شعارا، بل نعمة تحتاج إلى الحماية، وأن عدم رؤية الخطر لا يعني أنه غير موجود.
ثم إن السؤال الحقيقي ليس لماذا تحارب الدولة الإرهاب، فهذا واجبها الطبيعي، بل لماذا يحاول البعض تبرير وجوده؟ ولمصلحة من يطعنون في مجهودات حماية هذا الوطن؟ إن من يدافع عن هؤلاء المتطرفين، أو يقلل من خطورتهم، لا يختلف عنهم في شيء، لأنه يساهم بشكل أو بآخر في خلق بيئة مشجعة للفكر المتطرف.
هذا الوطن لن يكون ساحة للخراب، ولن يكون مرتعا للإرهاب، ولن يسمح بأن تتكرر مآسي الماضي، هذه حقيقة لا تحتاج إلى إثبات، بل إلى وعي من الجميع بأن الأمن مسؤولية مشتركة، وأن التشكيك العبثي لا يخدم سوى أجندات الظلاميين وأعداء الوطن.
المغرب اليوم يقف صلبا، محصنا بجهاز أمني يقظ، ومجتمع يرفض التطرف، ودولة تعرف كيف توازن بين الحقوق والحريات وبين حفظ الأمن والاستقرار، أما أولئك الذين يسخرون ويشككون، فلينظروا إلى الدول التي استهانت بالخطر، وكيف أصبحت ساحات حرب مفتوحة، قبل أن يعيدوا النظر في سخريتهم المقيتة.