دشنت العلاقات الاقتصادية بين المغرب وإسبانيا، المكثفة تاريخيا، مرحلة جديدة. وأرست المملكتان الأسس لشراكة اقتصادية متجددة ومتجهة نحو المستقبل، بهدف تطوير وتنويع التدفقات التجارية الثنائية لمواجهة تحديات السوق الدولية التنافسية أكثر فأكثر.
وبفضل القرب الجغرافي والتنافسية المشتركة والتكامل الدينامي وآليات الاستباق والتقارب، نجح اقتصادا البلدين في التغلب على الصعوبات المرتبطة على الخصوص بتداعيات “كوفيد-19” والسياق الإقليمي والدولي، عبر إرساء شراكة مندمجة في سلسلة القيمة.
وتمتد هذه الخيارات المشتركة إلى أبعاد جديدة تؤشر على مستقبل واعد للعلاقات الاقتصادية. ويتعلق الأمر في المقام الأول، بأبعاد قطاعية، مثل الاندماج في سلاسل القيمة الصناعية من خلال تطوير شراكات في قطاعات النسيج، والإلكترونيات، وصناعة الغذائية، وصناعة السيارات والطاقة، وكذا أبعاد جيو-اقتصادية تستفيد من الاستقرار السياسي الذي يمتع به المغرب.
وقد مكنت هذه الحركية الجديدة البلدين من الحفاظ على دينامية مستدامة للمبادلات التجارية على مر السنوات وتنفيذ مشاريع إنمائية مشتركة ذات قيمة مضافة عالية. وخير مثال على ذلك هو وجود نسيج مقاولاتي إسباني قوي في المغرب ما فتئ يتزايد، والذي يستفيد من المناخ الإيجابي للاستثمار في المملكة. ونتيجة لذلك، تعد إسبانيا، منذ 10 سنوات، أول شريك تجاري وزبون للمغرب.
وبحسب الأرقام الإسبانية الرسمية، فإن المغرب يعد الوجهة الرئيسية للاستثمارات الإسبانية في إفريقيا، ويتلقى أكثر من ثلث إجمالي الاستثمارات الإسبانية المباشرة الموجهة إلى القارة الأفريقية. وبلغ رصيد إسبانيا من الاستثمارات في المغرب 1944 مليون يورو سنة 2020 (أحدث البيانات المتاحة) ولديها حوالي 524 فرع تابع لشركات إسبانية ونحو 670 شركة إسبانية تمتلك أكثر من 10 بالمائة من رأسمال الشركات المغربية الخاضعة للقانون المغربي.
وكثمرة لهذه الدينامية المطردة، تضاعفت المبادلات التجارية بين الرباط ومدريد، على مدى السنوات العشر الماضية، مع معدلات نمو فاقت 10 بالمائة سنويا منذ العام 2011. وتتميز هذه المبادلات بثلاثة عناصر أساسية، هي التناغم والجودة والتوازن.
وتمثل هذه الأرقام القياسية، على التوالي في 3 بالمائة و2,1 بالمائة من الحصة العالمية للصادرات والواردات الإسبانية.
وسجلت المبادلات التجارية بين البلدين منحى تصاعديا منذ العام 2016، حيث أظهر انخفاضا طفيفا في العام 2020 مع بلوغ الصادرات نحو إسبانيا 6,37 مليار يورو (مقابل 6,96 مليارا في 2019)، بينما ارتفعت الواردات إلى 7,35 مليار يورو (مقابل 8,45 مليار يورو في العام 2019).
وزادت المبادلات التجارية بين البلدين بنسبة 31 بالمائة إلى ما يقرب من 10 مليارات يورو في العام 2022، ما يجعل المغرب الشريك التجاري الرئيسي لإسبانيا خارج الاتحاد الأوروبي، باستثناء الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
وتوضح هذه الأرقام أن البلدين قد انتقلا من التصور التقليدي للمتنافسين في قطاعات القيمة المضافة إلى أن يصبحا شريكين متكاملين في سلسلة القيمة، وهو تمرين لمرحلة نضج سيتم توطيده بشكل أكبر خلال الاجتماع رفيع المستوى الذي سيتميز بعقد منتدى اقتصادي ثنائي.