بجماعة تمروت، الواقعة بأقصى جنوب شرق إقليم شفشاون، تمكنت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من تشكيل نواة زخم تنموي ذي نفس اجتماعي واقتصادي، كفيل بتحسين مؤشرات التنمية بالمنطقة.
لم تقف منعرجات الطريق المتفرعة عن الطريق الوطنية رقم 2 ولا صعوبة التضاريس حاجزا أمام إطلاق مشاريع واعدة، من شأنها العناية بالطفولة المبكرة ودعم تمدرس الأطفال، ولاسيما الفتيات، ومواكبة عدد من شباب المنطقة من حاملي المشاريع على الاندماج في سوق الشغل أو إطلاق مشاريع خاصة.
ولعل حادثة الطفل ريان، التي مر عليها سنة ونيف، سلطت الضوء على الجماعة الترابية تمروت الواقعة وسط جبال الريف الأوسط، والتي تتميز بقساوة المناخ شتاء، وتقلص مساحة الأراضي الفلاحية المنبسطة، ما استدعى تكثيف جهود مختلف المصالح والمؤسسات العمومية لتمكين المنطقة من حظها من المشاريع التنموية.
++ التعليم الأولي .. خطوة أولى نحو المستقبل ++
خلال المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، تم إيلاء اهتمام خاص لتربية النشء منذ سنوات الطفولة الأولى، فالتعليم الأولي المبكر ضمانة للحد من الهدر المدرسي وعامل مساعد على تجاوز صعوبات الاندماج في التعليم الابتدائي الأساسي.
وأكد رئيس قسم العمل الاجتماعي بعمالة إقليم شفشاون، محمد المريني، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه في إطار تنزيل المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، استفادت جماعة تمروت من عدة مشاريع اجتماعية وتنموية، من ضمنها بناء 22 وحدة للتعليم الأولي، بغلاف مالي إجمالي يصل إلى 8.6 مليون درهم.
في هذا الصدد، جهود المبادرة لا تتوقف فقط عند البناء، بل تمتد إلى التجهيز والتسيير، من خلال تقديم دعم، بمعية كافة الشركاء، يضمن توفير التجهيزات التربوية العصرية وتكوين المربيات وتحمل تكاليف التسيير على مدى سنتين من أجل ضمان استدامة المشروع.
والنموذج من قرية الطفل ريان، دوار إغران، الذي افتتحت به وحدة للتعليم الأولي تستقبل تلاميذ القرية بين 4 و 6 سنوات لتلقي المبادئ الأولى للتعليم وفق البيداغوجيات المعتمدة من طرف وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي.
بهذه الوحدة، تعمل المربية على إيقاظ مهارات الأطفال من خلال سلسلة من الألعاب التربوية، التي تساعدهم على تعلم الحروف والأرقام وأيام الأسبوع وغيرها من المعارف الأولية، هي ألعاب تحفز ملكة التفكير المنطقي.
هذه الجهود مكنت وفق المريني من بلوغ تغطية كافة تراب الجماعة بنسبة تصل إلى 80 في المائة بخدمة التعليم الأولي، ما يعتبر مكسبا بالنسبة لأطفال تمروت.
++ النقل المدرسي والإيواء .. تقريب التلميذ من العلم ++
بمركز جماعة تمروت، تتواجد مدرسة ابتدائية وثانوية إعدادية وثانوية تأهيلية، وهي مؤسسات تربوية أنشئت خلال السنوات الماضية لاستقبال أبناء قرى هذه الجماعة الترابية ولتكريس حقهم في تعليم نافع على قدم المساواة مع أبناء الحواضر.
وبسبب تشتت التجمعات السكانية، عملت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على دعم مشاريع النقل المدرسي بالنسبة للتلاميذ القاطنين على بعد مسافات معقولة تتيح التنقل اليومي للتلاميذ صوب فصولهم الدراسية.
بهذا الخصوص، أكد رئيس قسم العمل الاجتماعي أنه تم تعزيز أسطول النقل المدرسي بخمس حافلات جديدة بغلاف مالي يصل إلى 1,7 مليون درهم، وذلك من أجل الرفع من جودة التعليم ومحاربة الهدر المدرسي بالوسط القروي، وخصوصا بالنسبة للفتاة القروية.
بالنسبة للتلاميذ القاطنين على مسافات بعيدة أو في قرى وعرة المسالك، فقد تم فتح قسم داخلي بالثانوية الإعدادية المهدي بنبركة بمركز تمروت، وهو خاص بالفتيات، والذي جاء ليعزز خدمات دار الطالب الموجودة سلفا، حيث مكنت هذه المنشأة الاجتماعية من ضمان حق التلميذات في التعليم، وهو المرفق الذي يلقى دعما متواصلا من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لتغطية نفقات التسيير.
وأكد الإطار التربوي المسؤول عن القسم الداخلي، زروال محمد، أن الداخلية، الذي أنشئت سنة 2017، تستقبل خلال هذا الموسم الدراسي 103 مستفيدات ، يستفدن من منحة كاملة تشمل الإيواء والإطعام، وفتاة بنصف منحة، و 76 مستفيدا ومستفيدة من وجبة الغذاء، مبرزا أن معظم النزيلات قادمات من قرى بعيدة جدا، بعضها يوجد على الحدود مع إقليم تاونات.
من بين الفتيات المستفيدات فاطمة أسماء الداودي، المنحدرة من قرية إزك ارن، التي يستغرق الوصول إليها 3 ساعات ونصف ساعة، أعربت عن امتنانها من توفير القسم الداخلي الذي جعلها تركز أكثر فأكثر على دراستها بالسلك الإعدادي.
بصوت هادئ تقول أنه “لولا القسم الداخلي لانقطعت عن الدراسة، هذا المرفق يساعدنا على مواجهة صعوبة ظروف التنقل للدراسة بهذه المنطقة”، مضيفة “بالتأكيد لقد شكل إحداث القسم الداخلي دفعة لنا لمواصلة الدراسة من أجل تحقيق أحلامنا”.
++ الإدماج الاقتصادي .. للشباب نصيب ++
شعيب جلون، واحد من شباب جماعة تمروت اختار الاعتماد على قدراته الذاتية وعلى دعم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية للانطلاق في مشروع خاص. غير بعيد عن قطاع التعليم، افتتح هذا الشباب الذي يوجد في أواخر الثلاثينات من عمره مكتبة بمقر الجماعة، لتوفير الكتب والمستلزمات الدراسية، وأيضا لتقديم خدمات رقمية لفائدة سكان القرية.
بمكتبته، أكد أنه بفضل المبادرة الوطنية ودعم عمالة إقليم شفشاون، تمكن من الحصول على المواكبة والدعم الضروريين من أجل تطوير مشروع المكتبة لتصبح قادرة على تقديم خدمات جديدة في مجال الطباعة والخدمات الرقمية لفائدة سكان الجماعة وأبنائهم.
وقال “استفدت من دعم المبادرة لاقتناء تجهيزات حديثة لتوسيع نشاط المكتبة”، داعيا شباب المنطقة، لاسيما حاملي أفكار المشاريع، إلى اغتنام الفرص المتاحة في هذا الإطار للبحث عن الدعم والمواكبة من أجل تحقيق الاندماج في سوق الشغل.
بهذا الخصوص، أكد المريني أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية قامت ضمن برنامج تحسين الدخل والإدماج الاقتصادي بمواكبة واستقبال مجموعة من الشباب، إلى جانب القيام بمجموعة من الحملات التحسيسية والتكوينات لفائدة حاملي أفكار المشاريع، من بينهم مشروع تجهيز مطبعة لفائدة الشاب شعيب جلون.
مشاريع المبادرة الوطنية على مستوى إقليم شفشاون شملت الحواضر كما القرى، بهدف ضمان تنمية متوازنة وشاملة، لاسيما من خلال تقديم الدعم اللازم للفئات المستهدفة، وجماعة تمروت لم تكن بعيدة عن هذا الزخم التنموي.