الصحة والتعليم..أصوات مكتومة
احتجاجات طلبة كليات الطب جاءت كصدى لصرخة غضب مكبوت، عكست أزمة عميقة تعاني منها المنظومة التعليمية والصحية على حد سواء، هؤلاء الطلاب، الذين يمثلون جيل المستقبل في قطاع الصحة، لم يخرجوا إلى الشوارع لمجرد مطالب هامشية، بل رفعوا أصواتهم من أجل حقوق أساسية تكفل لهم حياة مهنية مستقرة وظروفا دراسية مناسبة، ومع ذلك، بدلاً من أن تجد أصواتهم آذانا صاغية، كانت الحكومة تقدم لهم ردودا تتسم بالتجاهل أو القمع، وكأنها تُخرس طموحاتهم بدل الاستجابة لها.
طلبة الطب هم عماد المستقبل الصحي، ومطالبهم تتعلق بجودة التعليم الطبي، وتحسين ظروف التدريب، وتوفير فرص العمل بعد التخرج، لكن في مشهد أشبه بمحاولة التحدث إلى حائط صلد، وجد هؤلاء الشباب أن أصواتهم تقابل بالتجاهل، وأن مطالبهم تواجه بالصمت الحكومي، هذا التصرف يعكس فشلا في التواصل بين السلطة والطلاب، حيث ينظر إلى أي محاولة للاحتجاج والمطالبة بالحقوق المشروعة على أنها تهديد للنظام بدلا من أن تُعتبر فرصة للحوار والإصلاح.
عندما خرج هؤلاء الطلاب إلى الشوارع، لم يكن هدفهم إثارة الفوضى، بل أرادوا إيصال رسالة واضحة بأن النظام التعليمي الطبي يعاني من اختلالات كبيرة، ولكن بدلا من فتح قنوات للحوار، لجأت السلطات إلى القمع والعنف كأداة لإسكاتهم، مشاهد الطلاب المعتصمين وهم يواجهون قوات الأمن تحولت إلى رمز لقمع الشباب، حيث يتم التعامل مع مطالبهم المشروعة وكأنها تهديد، ويتم وأد الاحتجاجات بيد من حديد، مما يزيد من حالة الاحتقان الاجتماعي.
هذا التعامل العنيف مع الطلاب يكشف عن خلل عميق في كيفية إدارة الأزمات الشبابية، فبدلاً من الاستماع إلى هذه الأصوات وفهم دوافعها، يتم قمعها، مما يولد حالة من الإحباط واليأس لدى هؤلاء الشبابـ وهذا القمع ليس مجرد رد فعل تجاه مظاهرة، بل هو مؤشر على إغلاق باب الحوار بين الحكومة وجيل المستقبل، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تداعيات طويلة الأمد على مستوى الثقة في النظام التعليمي والصحي.
الأصوات التي أُسكتت في احتجاجات كليات الطب هي أصوات تعبر عن فقدان الأمل في نظام تعليمي لا يستجيب لمتطلبات العصر، فهؤلاء الطلبة، الذين كان من المفترض أن يكونوا قادة المستقبل في مجال الصحة، وجدوا أنفسهم محاصرين بين تجاهل المسؤولين واحتياجات المجتمع الملحة، وفي ظل هذه المعادلة، يصبح التعليم الطبي مجالاً آخر يُثقل كاهل الشباب بالطموحات المكسورة والآمال التي تتبخر مع كل احتجاج يتم إجهاضه بالعنف.
القضية هنا ليست مجرد مطالب مادية، بل تتعلق بكيفية بناء جيل قادر على تقديم الرعاية الصحية اللازمة للمواطنين في المستقبل، فإذا كانت الحكومة تعجز عن الاستماع إلى هؤلاء الطلاب اليوم، فكيف ستعتمد عليهم غدا في بناء نظام صحي قوي يلبي احتياجات المجتمع؟ وتجاهل هذه الأصوات المليئة بالغضب والحماس قد يؤدي إلى نزيف فكري وهجرة عقول شابة تبحث عن فرص أفضل في أماكن أخرى، وهو ما سيفاقم الوضع الصحي في البلاد على المدى الطويل.
في نهاية المطاف، هذه الأصوات المكتومة لا تمثل فقط أزمة مؤقتة، بل هي علامة على انقطاع التواصل بين الحكومة وجيل المستقبل، وهو انقطاع يهدد ببناء فجوة أكبر بين الشباب ومؤسسات الدولة، ما لم يتم إعادة بناء جسور الثقة والحوار.