ما فتئ المغرب منذ قرون خلت يقف رجلا برجل وكتفا بكتف مع المقدسيين في صراعهم التاريخي مع الصليبيين، فسطروا هناك بدمائهم أعظم ملاحم الشجاعة والاقدام، مدحهم ملوك الشرق وسموا مناطق بأكملها عليهم، وبعد سقوط العثمانيين وتقسيم الشرق الأوسط بين الدول العظمى، وقف المغرب ملكا وشعبا مع حقوق الشعب الفلسطيني ماديا ومعنويا، وبالسلاح والدماء،. فشارك في الحروب العربية الاسرائيلية، وأظهر بسالة منقطعة النظير وهو القادم من أبعد نقطة عن مكان الصراع.
جعلت الملك الحسن الثاني من القضية الفلسطينية قضيته أيضا، دعمها وساندها، وقدم لها حلولا سبقت بأصالتها عقول الزعماء الذين عاصروه، رفضوها، وبعد أن فطنوا لحكمتها ونباهتها ونجاعتها وجدوا الأوان قد فات والزمان تغير والمعادلات أضحت معادلات جديدة، وفوت العرب عليهم فرصا من دهب كعادتهم في تضييع كل الفرص وحرق كل الانجازات لغايات ومآرب ذاتية صرفة.
من بعده، واصل جلالة الملك محمد السادس نهج والده، واستمر عليه، فقبل رئاسة لجنة القدس ومول بيت مال القدس، وجزء كبير من ماله الخاص، وخصص للقضية حيزا كبيرا في خطبه الرسمية، ناهيك عن الرسائل الملكية، وقدم الدعم والمساندة لإخواننا في فلسطين، وأسهم في حماية المعالم الإسلامية للقدس الشريف ودعم صمود ساكنتها، وعمل في الخفاء والعلن، وما خفي كان أعظم، لكن الدبلوماسية تقتضي عدم البوح بكل شيء، ولكل شيء وقته وزمانه، فالقضية تحفها الألغام من كل جهة وتصعب معالجتها حتى بين الأشقاء، وكي لا يزايد علينا أحد وكي لا يجهل علينا أحد جعل صاحب الجلالة القضية الفلسطينية قضية وطنية، جملة لا تقبل التأويل ولا كثرة تفسير.
تدخلات المملكة المغربية في القضية الفلسطينية لم تعجب الكثير من الدول، شرقا وغربا، بل ومن داخل الشرق الأوسط نفسه، أحرج عددا كبيرا منهم وهو البعيد عن منطقة الصراع القريب بدعمه ومساندته، أغلبهم يداري هذا الشعور، لكن حكام دولة الجزائر، المفتقدين لحس وفن دبلوماسية الدول العريقة، جاهروا بهذا علنا، وأرادوا قطع أي صلة للمغرب بالقضية الفلسطينبة، فنشروا الأكاذيب والاشاعات والتضليلات، وحركوا المرتزقة والأقلام المأجورة، من صحفيين عرب وكتاب حاقدين على هذا الوطن، نشروا صورا قديمة على أنها حديثة، فبركوا تصريحات وهمية، ونشروا مقاطع مضللة وغيرها، كما كذبوا على شعبهم ببطولات دونكيشوطية وهمية، وكل همهم وهدفهم نزع قصب السبق من المغرب وحشره في الزاوية كنملة تريد بجسدها إخفاء دب ومنعه من الظهور، لكن كيف سيواجهون قرونا من التاريخ وآلاف المبادرات واللقاءات والاجتماعات وملاييرا من الدعم والمساندة وآلاف المواقف الشجاعة؟
الجزائر هذا حالها ونحن نعلمه، وقد يئسنا من شفائها منه، لكن أن يخدم أبناء جلدتنا أجنداتها دون علم منهم ودراية، بجهل مركب صريح، فتلك المصيبة العظمى، فأن يقول البعض والقلة القليلة أن ما يقع هناك من ظلم انساني وابادة جماعية وهتك للاعراض واغتصاب للحقوق شيء داخلي فلسطيني لا يعنينا في شيء، تنكر للتاريخ وضرب لقرون من مجهودات حكام وقادة وعلماء وشرفاء هذا الوطن، وتنكر للارادة الملكية الصريحة ولتوجهات صاحب الجلالة الذي قدم ماله لدعم اخواننا بفلسطين.
الفلسطينيون لا يمثلهم مرتزق يجمع المال على حساب دماء شعبه، يجول ويصول ويوزع أرقام حساباته البنكية لمن يدفع أكثر، الفلسطينيون الشرفاء يعرفون المغرب ودور المغرب ورزانة ومكانة المغرب منذ ما قبل صلاح الدين وما بعد انتفاضة الأقصى وطوفان الأقصى، فلا نكن أغبياء ونعن مرضى النفوس على تحقيق خططتهم ودبلوماسيتنا برئاسة صاحب الجلالة تصل الليل بالنهار خدمة لمكانة المملكة بين دول العالم، في تحد للاكراهات التي وُضعت فيها بلادنا من طرف أشقاء أعمتهم الضغينة والحقد والحسد، حسد على تاريخ وحضارة سطرناها بدمائنا فلا نتنازل عنها بوهم مدسوس بيننا.