أن خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بمناسبة الذكرى الرابعة والعشرين لاعتلاء جلالته عرش أسلافه المنعمين، جاء ليؤكد مرة أخرى أن فلسطين تشكل جزء مهما من سياسة المغرب الخارجية وحجر زاوية في هويته العربية.
وأبرزت الصحيفة في مقال رأي للإعلامي والكاتب اللبناني نديم قطيش، نشرته في عددها الصادر اليوم الثلاثاء، أن جلالة الملك أكد في خطابه أيضا على ” قاعدة الربط بين المغرب والعالم من خلال الالتزام بمبدأ العدالة الدولية ومنطلقات السلام، لا من أي منطلق عنصري أو ديني أو عرقي أو صراعي”.
وأوضح كاتب المقال أن “هذه الدقة في حماية التحالفات الاستراتيجية للمغرب وثبات موقفه في القضايا الدولية الحساسة، هما ما يتيح له أن يباهي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية والاعتراف الدولي المتنامي الذي يكتسبه في ملف الصحراء، خاصة من إسرائيل”.
هذه الدقة والثبات، – يضيف كاتب المقال-، “هما ما يسمحان للمغرب أيضا، بأن يقدم هذا الإنجاز بوصفه انتصارا استراتيجيا ودبلوماسيا لشعبه وبلاده، من دون أن يكون في ذلك ذرة تناقض بين المصلحة الوطنية للمغرب ومسؤولياته العربية والدولية بخصوص القضية الفلسطينية”.
ولاحظ الكاتب أن “مضمون الموقف المغربي يقوم على تحقيق مكاسب استراتيجية عبر الدبلوماسية النشطة، متخليا عن الضجيج المرافق في العادة لآليات العمل السياسي في المنطقة والقائم على التهديد والوعيد والتشنج والمزايدات في ملفات فلسطين وغيرها”.
وفي هذا السياق، سجل الكاتب، أنه يمكن فهم النهج الدقيق للعلاقة مع الجزائر الذي عبر عنه الخطاب الملكي بكلام واضح عن اليد الممدودة دوما، إلى جانب المنطق التصالحي الهادف إلى الاستقرار والتفاعل الإقليمي الخلاق بدل المواجهات.
ومضى الكاتب قائلا إن الخطاب الملكي يؤسس أيضا “لتقارب محتمل بين الجارين المهمين على قاعدة احترام المعطيات التاريخية والجيوسياسية (…)، ويفتح الباب أمام إحقاق التوازن بين المصالح الوطنية لكل منهما وبين شروط الانسجام الإقليمي”.
ومن جهة أخرى، يرى نديم قطيش أن المغرب يرتكز في سياسته على الاستخدام الاستراتيجي للقوة الناعمة في منطقة غالبا ما ي هيمن عليها منطق القوة والاستقواء، مشيرا إلى أن “دبلوماسية الرباط متجذرة في استثمار التأثير الثقافي، والشراكات الاقتصادية، والدبلوماسية الهادئة، بالإضافة إلى الموقف التقدمي من قضايا الطاقة المتجددة وحقوق الإنسان”.
وفي معرض تحليله لمضامين الخطاب الملكي، أبرز الكاتب اللبناني أن كلمة “الجدية” كانت الأكثر ورودا في خطاب جلالة الملك بوصفها مبدأ عاما للعمل الوطني والسياسي والاجتماعي، إلى جانب تركيز جلالته على أولوية النزاهة والكفاءة. أما بخصوص الآثار السلبية للأزمات العالمية والجفاف على المجتمع المغربي، يضيف كاتب المقال، فقد أظهر الخطاب الملكي “وعيا واستعدادا لمواجهة التحديات الاقتصادية والبيئية بشكل مباشر، بدل الاستثمار فيها باعتبارها أعذارا للفشل أو تأجيل الاعتراف بها، وتحمل مسؤوليتها بسبب الصعوبات التي تكتنفها”، مشددا على أن هذا النهج “يعزز بيئة مواتية للنمو والاستقرار الوطنيين، ويوسع السبل لتحقيق مغرب مزدهر ومنصف”.
وخلص نديم قطيش إلى أن خطاب جلالة الملك “يعكس فهما دقيقا للتحديات الثلاثة التي تختصر عالمنا اليوم؛ وهي سباق تطوير البنية التحتية وتنمية المواهب واعتناق التقدم التكنولوجي بوصفه مذهبا رئيسيا للتطوير”. كما يعبر الخطاب عن الإلتزام بمواجهة هذه التحديات، “بروح “الوحدة بين الشعب والملك”، والعمل بغية دفع المغرب إلى الأمام في هذه المجالات الحاسمة من المنافسة العالمية”.