الجزائر وسياسة حافة الهاوية..لعبة خطرة تهدد الداخل قبل الخارج

في خضم التحولات الإقليمية والتغيرات الدبلوماسية الكبرى، يواصل النظام الجزائري، المترنح داخليا والمنعزل خارجيًا، مغامرته السياسية بإثارة النزعات الانفصالية في المغرب، كوسيلة لإضعاف موقف الرباط في قضية الصحراء، وآخر فصول هذه السياسات تمثل في احتضان الجزائر لمؤتمر يروج لما يُسمى “الجمهورية الريفية”، خطوة تُظهر بجلاء السقوط السياسي والأخلاقي لنظام يحاول تصدير أزماته الداخلية عبر تأجيج صراعات إقليمية.

هذه الخطوة تعكس تناقضات النظام الجزائري الذي يدعم نزعات انفصالية في المغرب بينما يواجه مطالب استقلال قوية في الداخل، مثل منطقة القبائل التي أسست حكومة في المنفى، وهذا الانفصام السياسي يكشف عن عمق المأزق الجزائري: فبينما يُحاول إشعال نار الانفصال في الريف المغربي، فإنه يغفل عن أن هذا اللعب بالنار قد يمتد ليحرق أركانه، خاصة في ظل الهويات المختلفة التي تزخر بها الجزائر، والتي تمتد جذورها إلى ما قبل الدولة الوطنية الحديثة.

رغم المحاولات المتكررة لاستفزاز المغرب، تظهر الرباط حنكة دبلوماسية في إدارة الأزمة. فقد ظل المغرب ثابتا على سياسة اليد الممدودة للجزائر، كما جاء في الخطاب الملكي الأخير، معتمدا استراتيجية تركز على الحسم في ملف الصحراء عبر مقترح الحكم الذاتي الذي يحظى بدعم دولي متزايد.

من جانب آخر، تعامل المغرب بحكمة مع دعوات حركة “الماك” في القبائل، رافضا الانجرار إلى ردود أفعال قد تشتت جهوده الدبلوماسية، وهذه السياسة المتزنة تبرز الفرق الشاسع بين عقلانية الرباط وجنون التصعيد الذي ينتهجه النظام الجزائري.

إن سياسة الجزائر في الترويج للانفصال في الريف المغربي ليست سوى انعكاس لحالة اليأس التي تعيشها، فبعد فقدانها لأوراقها في ملف الصحراء وتوالي الانتصارات الدبلوماسية المغربية، تجد الجزائر نفسها مجبرة على البحث عن معارك جديدة لتبرير إخفاقاتها أمام الشعب الجزائري، لكن هذه الخطوات الطائشة قد تفاقم من أزماتها الداخلية، إذ إن الترويج للانفصال في دول الجوار يشعل شرارة مطالب مماثلة داخل الأراضي الجزائرية، خاصة في الجنوب والمناطق الحدودية التي لم تكن يومًا جزائرية في الأصل، بل اقتطعتها فرنسا.

إن محاولات النظام الجزائري لضرب استقرار المغرب تعيد إلى الأذهان سياسة فرّق تسد الاستعمارية، لكنها تأتي هذه المرة من دولة حديثة الاستقلال، ومع ذلك، فإن التاريخ قد علمنا أن من يشعل فتيل الانقسامات في دول الجوار غالبا ما يعود ليواجه ذات النيران في عقر داره.

في ظل هذه التطورات، يظل المغرب متماسكا في وجه العواصف، محافظا على سياسة متزنة لا تنجر إلى ردود أفعال غير محسوبة، أما الجزائر، فإنها تغامر بفتح جبهات جديدة قد تقود إلى تصدع الداخل الجزائري قبل أن تنال من استقرار المملكة المغربية.

إن سياسة النظام الجزائري ليست سوى انعكاس لأزمة وجودية تهدد شرعيته. وما بين الهروب إلى الأمام واستمرار لعبة حافة الهاوية، يبدو أن النظام في الجزائر يخوض معركة خاسرة، ليس فقط ضد المغرب، بل ضد التاريخ والجغرافيا والحقائق التي لا يمكن طمسها أو تغييرها.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.