الجزائر والموقف الأمريكي من الصحراء المغربية..حين تسقط الجعجعة أمام هيبة البيت الأبيض

في سابقة تعكس حجم التحول في موازين الخطاب الدبلوماسي، اختارت الجزائر الصمت شبه الكامل والتعابير “المخففة” في ردها على تجديد الإدارة الأمريكية الاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وإعادة تأكيد دعمها لمقترح الحكم الذاتي كحل واقعي وذي مصداقية تحت السيادة المغربية.

ففي الوقت الذي اعتادت فيه الجزائر على إطلاق سيل من البلاغات النارية والاستدعاءات المتكررة لسفرائها، عند كل موقف دولي يتماهى -ولو تلميحا- مع الموقف المغربي، جاء رد وزارة الخارجية الجزائرية هذه المرة باردا، مقتضبا، لا يتجاوز حدود “التأسف”، دون أن يتعدى سقف التلويح أو الإدانة، ناهيك عن غياب أي خطوة تصعيدية كما جرت العادة مع دول أخرى أقل ثقلاً من الولايات المتحدة.

هذا الرد “المحتشم” لا يمكن فصله عن عامل الهيبة السياسية والاقتصادية التي يمثلها البيت الأبيض في السياسة الدولية، وهي هيبة لم تبد الجزائر أي جرأة على تحديها، عكس ما تفعله باستمرار مع باريس أو مدريد أو حتى مع عواصم الساحل الإفريقي، التي سحبت اعترافها بالكيان الوهمي، وذهبت حد إغلاق أجوائها في وجه الطائرات القادمة من هذه الوجهة.

اللافت أن الجزائر، التي ما فتئت تصر على لعب دور “المدافع عن تقرير المصير”، لم تجد في تأكيد الموقف الأمريكي الأخير سوى صيغة باهتة لتسجيل موقفها، في وقت تتسع فيه دائرة المؤيدين للحكم الذاتي كحل نهائي، وتتقلص فيه مساحة المناورة أمام نظام يواجه عزلة دبلوماسية غير مسبوقة، وخيارات محدودة في محيطه الإقليمي والدولي.

الأكثر دلالة في هذا المشهد، هو توقيت زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى الجزائر، تزامنا مع وجود ناصر بوريطة في واشنطن ولقائه كبار المسؤولين الأمريكيين، ما يكشف عن الفارق الكبير بين من يراكم الشراكات الإستراتيجية، ومن يلهث خلف محاور مأزومة، في محاولة للهروب إلى الأمام وتغليف العزلة بشعارات “التموقع السيادي”.

لقد بات جليا أن الجزائر تعيش مأزقا دبلوماسيا حقيقيا، لا ينفع معه منطق التنديد ولا لغة التصعيد، فالعالم تغير، والتحولات في المواقف الدولية باتت تبنى على أسس الواقعية والنجاعة، لا على أيديولوجيا الحرب الباردة وشعاراتها المستهلكة، والمغرب، بسياساته الهادئة ومقترحاته العملية، لا يكتفي بتثبيت مواقفه، بل يكسب مع كل خطوة حلفاء جددا، بينما تنزلق الجزائر نحو مزيد من العزلة، وسوء التقدير.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.