إنزكان، تلك المدينة التي لطالما وصفت بأنها القلب الاقتصادي لجهة سوس ماسة، أصبحت نموذجا صارخا للتناقض بين الإمكانيات الهائلة والواقع المزري، في كل زاوية من زوايا هذه المدينة، تتجلى صورة قاتمة للإهمال وسوء التدبير، أسواقها تعج بالحياة، ومرابدها لا تهدأ، لكنها في المقابل تشبه جسدا ضخما أنهكه المرض، فلا تجد انعكاسا لهذا النشاط الاقتصادي الصاخب على الحياة اليومية لساكنتها.
تعرف إنزكان بأسواقها الكبيرة التي يقصدها الزبائن من مختلف أنحاء أكادير الكبير والمدن المجاورة، كأنها خلية نحل لا تهدأ، سوق الثلاثاء، سوق الجملة، وسوق الخضر، كلها محطات تجارية تضخ من خلالها الأموال بشكل يومي، ومع ذلك، يبقى المواطن الإنزكاني يتساءل: “أين تذهب هذه الأموال؟”.
على الرغم من هذه الحركية الاقتصادية، لا يلمس سكان المدينة انعكاسا إيجابيا على معيشتهم أو على البنية التحتية، الشوارع الداخلية مهترئة، وأحياء كاملة تعاني نقصا في الخدمات الأساسية، الأسواق، بدل أن تكون رمزا للانتعاش الاقتصادي، أصبحت عبئا على الساكنة، حيث تسبب الاكتظاظ والفوضى، دون أن تعود بفائدة تذكر على تحسين الخدمات أو خلق فرص عمل تخرج الشباب من براثن البطالة، وإنزكان اليوم يمكن تسميتها “مدينة المرابد” أينما توجهت، تجد موقفا للسيارات يلتهم المساحات الخضراء أو الفضاءات التي كان يمكن أن تخصص لمرافق ترفيهية أو ثقافية، المرابد أصبحت جزء من المشهد اليومي للمدينة، لكن مردودها المالي لا يظهر في ميزانية التنمية.
المواطن يتساءل: كيف يعقل أن تتحول المدينة إلى شبكة من المرابد دون أن يستثمر جزء من هذه العائدات في إصلاح شوارعها أو بناء مرافق تعود بالنفع على السكان؟ كأن المرابد هي الآبار التي تمتص أموال المدينة لتصب في جيوب من يديرونها، بينما تظل المدينة غارقة في مشاكلها التي تتراكم يوما بعد يوم.
إذا تجاوزت أسواق المدينة ومرابدها، ووصلت إلى أحيائها الداخلية، ستجد المشهد أكثر بؤسا، الأزقة تغرق في الأزبال، وروائح كريهة تنتشر في الهواء كأنها إعلان مستمر عن فشل التدبير المفوض لقطاع النفايات، والبنية التحتية تكاد تكون معدومة في العديد من الأحياء، حيث المسالك مهترئة وقنوات الصرف الصحي مملوءة بالأزبال.
والضغط الذي تمارسه السلطة الإقليمية لتقوية المسالك الرئيسية يظهر أن هناك محاولات حثيتة لإصلاح ما يمكن إصلاحه، لكنها محاولات، على أهميتها، تقتصر على “واجهة المدينة”، حتى غدت مساحيق تغطي العيوب الحقيقية، القابعة في الأحياء المهمشة، حيث الطرق مهترئة، والأزقة تتحولت إلى حفر ومصائد طينية عند أولى قطرات الأمطار.
الشباب الإنزكاني، الذي كان من المفترض أن يكون عصب التنمية، يعيش اليوم على هامش الحياة. البطالة أصبحت الشبح الذي يطاردهم في كل مكان، غياب المشاريع التنموية والاستثمارات المربحة جعل الشباب فريسة سهلة لليأس والهجرة نحو مدن أخرى أو حتى خارج الوطن.
الحل الحقيقي لأزمة إنزكان يكمن في استقطاب الاستثمارات، المدينة بحاجة إلى مشروعات اقتصادية مربحة تعيد تشكيل واقعها الاقتصادي والاجتماعي، ويجب على المسؤولين البحث عن حلول مبتكرة لجذب المستثمرين، وتحويل المدينة من مجرد مركز تجاري مستهلك إلى مدينة منتجة تسهم في تحسين أوضاع أهلها، لكن هذا يتطلب تغييرا جذريا في طريقة تدبير الشأن المحلي، وتجاوز الحسابات الضيقة والصراعات الفئوية التي تعرقل كل مبادرة حقيقية للتنمية.
إنزكان اليوم ليست سوى ظل باهت لما يمكن أن تكون عليه، مدينة تمتلك كل المقومات لتكون نموذجا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لكنها تقف عاجزة أمام هذا التدبير المتسم بانعدام الرؤية، وإذا لم يتحرك المجلس الجماعي بشكل جاد وحاسم، فستظل إنزكان مدينة تضج بالأسواق والفوضى، وفارغة من أي روح تنموية حقيقية.
الساكنة الإنزكانية تستحق أكثر من مجرد وعود، تستحق مدينة تليق بها، مدينة تستثمر في شبابها، تُطور بنيتها التحتية، وتمنح أهلها أملا في مستقبل أفضل. هل سيأتي ذلك اليوم؟ أم ستظل إنزكان ضحية لأصحاب الشكارة كبقرة حلوب مُحتجزة، وأهلها غافلون وسط بحر من التهميش لا ساحل ولا مرسى له؟