في الجنوب الغربي للمملكة، وبالضبط بإقليم اشتوكة أيت باها، تقع جماعة أيت عميرة، التي تحولت في السنوات الأخيرة من فضاء فلاحي نابض بالحياة إلى لوحة قاتمة تعج بالأزبال، وتطفح منها البرك الملوثة، وتغيب فيها أدنى شروط العيش الكريم، واقع بيئي متردّ صار يهدد صحة وسلامة آلاف السكان، وسط صمت رسمي يثير الاستغراب، ولا مبالاة جماعية تكشف عمق الأزمة التي تعانيها الجماعة.
ما أن تطأ قدماك أرض أيت عميرة، ستصدمك الروائح الكريهة المتصاعدة من كل حدب وصوب، مشاهد الأزبال المتراكمة في الأزقة والشوارع الرئيسية، والبرك المائية الراكدة التي تفوح منها روائح آسنة، صارت عنوانا دائمًا للمنطقة، أما الحاويات فإما ممتلئة حد الانفجار أو غير موجودة أصلا، والنفايات ترمى عشوائيا قرب المدارس، المرافق الصحية، وحتى أمام منازل المواطنين.
ليس الأمر مقتصرا على مركز الجماعة فقط، فالهامش، وهو عنوان الحيف والإقصاء، يعيش وضعا أكثر قتامة، حيث يندر أن تجد شارعا نظيفا أو زقاقا لا تحاصره الأزبال من كل جانب، الأطفال الذين يلعبون في الطرقات يعايشون هذه الكارثة يوميا، وكأن القذارة قدرهم، وكأنهم أبناء بيئة من الدرجة الثانية لا تستحق النظافة ولا الحياة.
الوضع البيئي الكارثي في أيت عميرة لا يهدد فقط جمالية المدينة وصورتها، بل يشكل خطرا حقيقيًا على صحة السكان، انتشار الروائح الكريهة، وتراكم المياه الراكدة، يوفر بيئة خصبة لتكاثر البعوض والحشرات الناقلة للأمراض، ناهيك عن النفايات العضوية التي تتحلل في الهواء الطلق، ملوثة التربة والفرشة المائية، ومهددة بتفشي أمراض جلدية وتنفسية خطيرة.
أمام هذا الواقع المرير، يلتزم المجلس الجماعي لأيت عميرة صمتا مريبا، يشبه صمت العاجز، أو لعله صمت المتواطئ مع الكارثة، رئيس الجماعة، علي البرهيشي، الذي يتربع على كرسي الرئاسة، لا يبدو معنيا بما يحدث، الرجل مشغول، حسب ما يتداوله الشارع المحلي، بإعداد عدته للترشح لولاية جديدة، وكأن ما يحيط به من دمار بيئي لا يعنيه، وكأن أصوات المواطنين الساخطة لن تصل إلى صناديق الاقتراع.
المفارقة أن الخطاب الرسمي للمجلس لا يتغير “نقوم بالمستحيل”، “الإمكانات محدودة”، بينما الواقع يقول شيئا آخر تماما، الواقع يقول إن المجلس لا يؤمن إلا بالترقيع، ويظن أن غض الطرف عن الأزمات سيجعلها تتبخر، لكنه لا يدرك أن المواطن في أيت عميرة لم يعد أعمى، ولا أخرس.
السكان سئموا من التسويف، من الوعود الفارغة، من مجلس يعتبر كراسيه ملكية خاصة،والمواطنون يريدون حلا جذريا، يريدون مسؤولين يؤمنون بأن المواطن يستحق العيش في بيئة نظيفة، وأن الحفاظ على الصحة العامة ليس “خدمة إضافية”، بل واجب دستوري.
الكرة الآن في ملعب السلطات الإقليمية والجهوية، وفي ملعب المجتمع المدني، وفي يد كل من يعتبر أن البيئة حق لا امتياز، أما من اختار الاستمرار في الكرسي، وهو يرى مدينته تختنق.