عبد اللطيف الجعفري-ومع
في تفاصيل الحياة الفنية المغربية وتاريخها خاصة في شقها المتعلق بالموسيقى الطربية، لا يمكن تصور إنتاج غنائي لا توجد فيه آلة العود إلا نادرا، لأن الأمر يتعلق بآلة ساحرة عشقها الملحنون والعازفون، وجمهور عريض اعتاد سماع تقاسيم جميلة تمتع أذنه ووجدانه.
هذه الآلة الأصيلة تقام لها مهرجانات متعددة في المغرب كما في بلدان عربية أخرى، لأنها استطاعت في أزمنة مختلفة اختراق الحدود، بل وفرضت نفسها ضمن متغيرات الموسيقى المغربية والعربية.
على أن عدوى العشق الجنوني لآلة العود لم تقتصر على الملحنين والعازفين والجمهور فحسب، بل انتقلت حتى للكتاب والشعراء، حيث احتفوا بهذه الآلة في كتاباتهم وأشعارهم، من ذلك قول الشاعر السعودي روح التميمي:
يــــا عــــازف الــعــود ألـحــانــا تـرجـعـهــا
أدمـيـت قلـبـي وهــاج الـوجــد أشـجـانـي!
يــا عــازف الـعـود .. خـفـ ف مــن منـاحـتـه
فـقــد حـزنــت وصـــوت الـلـحـن أبـكـانــي!
يـا عـازف العـود .. لـو أدركـــت فاجعـتـي !
وكـــم جـنـيــت عــلــى قـلـبــي ووجــدانــي!
ومادام المغاربة منفتحين تاريخيا على محيطهم العربي والإقليمي، فقد شكلت آلة العود رمزا للتفاعل الموسيقي والفني، حيث تحكي كتب التاريخ ومهنيو الموسيقي أن آلة العود كانت متواجدة بالمغرب منذ زمن قديم، وأكثر من ذلك يتحدثون عن صناعها من أبرزهم بن حربيط بفاس، وهو ما أسر به لقناة M24 التابعة لوكالة المغرب العربي للأنباء السيد بن أحود عبد اللطيف المدير العام للمعاهد الموسيقية بجماعة الدار البيضاء.
في الحياة الفنية الموسيقية المغربية، هناك عباقرة اختاروا العود وسيلة للتلحين و/ أو العزف منهم الموسيقار الكبير عبد الوهاب الدكالي الذي طوع وروض العود فأصبح طيعا له حتى أنتج العشرات من الروائع الخالدة.
من هؤلاء أيضا العازف العبقري سعيد الشرايبي، ثم صاحب رائعة ( يا صاحب الصولة والصولجان) أحمد البيضاوي، والعارف بشعاب الموسيقى وخبايا العود تدريسا وعزفا الحاج يونس، وغيرهم من المغاربة الذين أبدعوا كثيرا في تعاطيهم مع آلة العود.
وفي تماس مع الحضور القوي لآلة العود في الحياة الفنية المغربية وحتى الاجتماعية، يقول السيد بن أحود أيضا إن الأمر يتعلق بآلة فردية يستعملها الملحن والعازف داخل مجموعة موسيقية، لافتا إلى أن الذين يعشقون هذه الآلة لا يستطيعون فراقها.
فالعود، كما قال، يعبر على عدد من المواقف والحالات في حياة الأفراد والجماعات ( حالات فرح أو حزن، ثم التفريغ عبر التقاسيم).
وأضاف أنه في البداية هناك عود واحد، لكن بفضل أحد صناعه بدار بوعزة (يسمى بلهيبة)، أدخلت عدة تغيرات منها إنتاج عود سوبرانو ( زيادة وترة إضافية والتي لم تكن من قبل).
وما دامت آلة العود بكل هذه القيمة الاعتبارية الرفيعة، فقد كان من الطبيعي أن تلج مجال التدريس، حيث أكد السيد بن أحود أن تعليم آلة العود في معهد الموسيقى بالدار البيضاء بدأ عام 1956، وبعد ذلك وقعت عدة تغيرات في عملية التدريس، وحتى في طبيعة هذه الآلة وشكلها.
خلال خمسينيات القرن الماضي كان هناك فقط العود الكلاسيكي، وحاليا دخلت عليه عدة تقنيات ومسائل علمية، فتحول أيضا إلى وسيلة لعزف قطع عالمية كلاسيكية مثل موسيقى موزار وقطع أخرى، كما جاء على لسان مدير المعهد.
وبلغة الأرقام، أشار إلى أن عدد الطلبة المسجلين لتعلم آلة العود بهذا المعهد، يبلغ حوالي 350 طالبا بمختلف المستويات، مشيرا إلى أنه “لدينا في هذا السياق برنامج تعليمي تم اعتماده بالمعهد منذ حوالي ثلاث سنوات: كل قسم به عدة قطع وتمارين ودراسات وأنغام وإيقاعات”.
واستطرد قائلا إن الطالب يحمل، حين يتخرج من عملية تدريس آلة العود، رصيدا من القطع يصل إلى حوالي 60 قطعة، وهذا شيء جميل لأن الطالب يكون له اهتمام وشغف بآلة العود خلال حياته.
وما دام الشيء بالشيء يذكر، فإنه من بين التظاهرات الأخيرة التي احتفت بهذه الآلة، النسخة الرابعة لمهرجان العود الدولي ( 19 / 25 دجنبر 2022 بالدار البيضاء)، وذلك ضمن شراكة بين جمعية الفن الرابع والمعهد الموسيقي تحت إشراف جماعة الدار البيضاء.
وأشار السيد بن أحود إلى أن المهرجان شهد تنظيم ندوات وماستر كلاس ومحاضرات بمشاركة كل من تونس وفرنسا والمغرب وموريتانيا وليبيا، وذلك من أجل النهوض بهذه الآلة العتيقة والأصيلة.
وتابع أن جمعية الفن الرابع بذلت مجهودات كثيرة للتعريف بالعود، حيث بلغ المهرجان نسخته الرابعة ” دورة طلبة المعاهد الموسيقية الدولية “.
وحسب ورقة للمهرجان، فإن رئيس جمعية الفن الرابع السيد محسن بوفتال أكد بدوره أن هذه التظاهرة أظهرت اهتمام الجمهور المغربي بآلة العود، مشيرا إلى أنه خلال الثلاث سنوات الماضية، تم تسجيل إقبال كبير للشباب على آلة العود التي صارت الآلة الأكثر تدريسا وإقبالا في المعاهد الموسيقية بالدار البيضاء والمغرب كله.