في لحظة كان يفترض أن تكون احتفالية، تعيد الحياة إلى قلب مركب محمد الخامس بالدار البيضاء، بعد عامين من الصمت والترميم، تحولت الأضواء إلى الشوارع بدل المدرجات، وإلى الحواجز الأمنية بدل الأهازيج المعتادة في ديربي العاصمة الاقتصادية.
فعشية “الديربي” البيضاوي رقم 138، الذي يجمع بين الغريمين التقليديين الرجاء والوداد، شهدت شوارع المعاريف إنزالاً أمنياً مكثفا، يُذكر بأيام المواجهات الكبرى، لكن دون وعد بمدرجات ممتلئة، عناصر أمنية انتشرت عند كل مفترق، ودوريات تترصد كل صغيرة وكبيرة، في محاولة لضبط الإيقاع ومنع أي خروج عن النص في مناسبة كان من المفروض أن تُعيد الروح إلى “دونور” الذي غاب لسنوات عن التظاهرات الكروية بفعل أشغال الإصلاح.
لكن المفارقة الكبرى أن هذا التأهب الأمني الرفيع المستوى، يقابله فتور جماهيري غير مسبوق، بل ورفض معلن من قبل الفصائل المشجعة للفريقين، والتي أعلنت صراحة مقاطعة هذا اللقاء، “الوينرز”، “غرين بويز”، و”إيغلز” اختاروا التمرد الصامت، وقرروا الغياب الجماعي، في خطوة احتجاجية ليست موجهة ضد الفريقين، بل ضد ما وصفوه بالمعاناة والتهميش والظلم الذي طالهم خلال فترة الإصلاحات، من تنقلات مرهقة، إلى حرمان متكرر من ولوج الملاعب.
محاولات السلطة لثني الجماهير عن المقاطعة باءت بالفشل، رغم الاجتماعات والمناشدات، لأن القضية أعمق من مجرد مباراة، إنها معركة كرامة وهوية. فمن ذا الذي يستطيع إقناع من حُرم من ملعبه، من أُقصي من مدينته، ومن سُيّج شغفه بالحواجز والأسلاك، أن يعود للمدرجات وكأن شيئًا لم يكن؟
المباراة ستلعب، لا شك في ذلك، لكن هل سيسمع هدير الجماهير؟ هل سيرتج “دونور” كما عهدناه، أم سيكون صدى الفراغ أقوى من صوت الكرة؟ ديربي هذا الموسم لا يقاس بنتيجته في الملعب فقط، بل بمعناه خارج المستطيل الأخضر، في المدرجات التي رفضت أن تعامل كديكور، وفي الجماهير التي قررت أن تكون حاضرة عبر الغياب.