منذ إغلاق شركة سامير لتكرير البترول في المغرب عام 2015، تواصل القضية مراوحتها مكانها بين المسارات القانونية والتحكيم الدولي دون حلول ملموسة تنقذ هذا الصرح الاقتصادي الهام. ورغم مرور ما يقارب تسع سنوات من الجمود، تظل الأصوات المطالبة بإنقاذ المصفاة عالية، خاصة من العمال والمتقاعدين الذين يعانون من غياب حقوقهم الأساسية.
وفي خطوة جديدة، أعلنت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بشركة سامير اعتزامها خوض اعتصام في المحمدية يوم الجمعة 8 نوفمبر 2024، للمطالبة بإنقاذ المصفاة من التلاشي والحفاظ على حقوق الأجراء.
استياء العمال وتجاهل الحكومة
تجد النقابة الوطنية لصناعة البترول والغاز نفسها أمام موقف معقد؛ إذ أكدت أن الاعتصام المزمع تنظيمه هو نتيجة لتجاهل الحكومة المغربية لكافة المبادرات والاحتجاجات، قبل وبعد الحكم بالتصفية القضائية.
وقالت النقابة: “تبعاً لكل الحركات الاحتجاجية والمبادرات لدى كل الجهات المعنية، قبل وبعد الحكم بالتصفية القضائية، جاء قرار المكتب إثر اجتماع له بالمحمدية، تنظيم اعتصام بشركة سامير بالمحمدية، يوم الجمعة 8 نونبر 2024، للمطالبة بإنقاذ المعمل من التلاشي والسقوط، والحماية واسترجاع حقوق العمال والمتقاعدين في الأجور والتقاعد”
الوضعية الكارثية التي وصلت إليها الشركة، وفق تقديرات النقابة، تضع البلاد في موقف صعب؛ فمن جهة هناك مصالح العمال المهدورة، ومن جهة أخرى توجد حاجة المغرب الماسة للطاقة، وتضيف النقابة: “بناء على الوضع الكارثي الذي وصلته شركة سامير، من بعد 9 سنوات من الإصرار على تعطيل الإنتاج الفعلي، وما ترتب عن ذلك من ضياع مصالح البلاد وحقوق العمال، أمام التفرج والموقف السلبي للحكومة المتجاهلة لكل النداءات المرفوعة من نقابتنا ومن كل المدافعين على قضية شركة سامير والمصلحة الوطنية المتصلة بها”.
قدرة سامير على إنعاش السوق الطاقية
ورغم التوقف الطويل للمصفاة عن العمل، إلا أن تقنيي سامير يؤكدون أنها لا تزال قادرة على تلبية حوالي 70% من احتياجات المغرب من المنتجات النفطية، ما يجعل إغلاقها المستمر نزيفا مستمرا للخسارات، تقول النقابة: “رغم أن المصفاة ما زالت قادرة على تلبية زهاء 70 في المائة من حاجيات المغرب من المواد النفطية، إلا أنهم أثاروا انتباه كل المعنيين بقضية شركة سامير إلى الانعكاسات السلبية والخطيرة للاستمرار في تعطيل تكرير البترول، سواء بتسريع تلاشي وسائل الإنتاج وتزايد كلفة الاستصلاح من يوم لآخر، أو بتناقص عدد التقنيين والمهندسين وعدم تعويضهم وتكوين خلفهم، وهو الأمر الذي ينذر باستحالة استدراك الأوضاع في وقت لاحق”.
الأوضاع المتردية لا تقتصر على المجال الاقتصادي فقط، بل تشمل أيضا الوضع المأساوي الذي يعيشه الأجراء والمتقاعدون الذين تأثروا بتوقف النشاط في الشركة، وشددت النقابة على أهمية تمتيع العمال بحقوقهم المنصوص عليها قانونياً، مشيرة إلى أن سنديك التصفية القضائية يتعمد “المماطلة والتسويف” في الرد على مطالبهم.
وتضيف “رفضه أسلوب التماطل والتسويف، الممارس من طرف سنديك التصفية القضائية، في الرد على مطالبات النقابة الممثلة للمأجورين. في المقابل، ألح على طلب تمتيع العمال بكل حقوقهم المنصوص عليها في الاتفاقية الجماعية للشغل الجاري بها العمل في ظل الإذن باستمرار النشاط”.
مسؤولية الحكومة وتداخل المصالح
إلى جانب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تسببت بها هذه القضية، يتهم المكتب النقابي الحكومة بالتقاعس عن إيجاد حلول للمصفاة ويعتبر أنها تتحمل المسؤولية الكاملة عن الوضع الكارثي الذي وصلت إليه سامير، وأكدت النقابة أن القضية “تعود جذورها للخوصصة ولتضارب المصالح وتغول لوبي المحروقات والعقار في تبديد مصالح البلاد وضياع حقوق العباد”.
وختمت النقابة بيانها بالتأكيد على ضرورة “إحياء تكرير البترول بمصفاة المحمدية، والانتباه لخطورة الوضع الإقليمي والدولي وما يتطلبه من بناء السيادة الطاقية، وذلك عبر تفويت أصول الشركة للدولة عبر مقاصة الديون، أو تشجيع الخواص على اقتناء أصول الشركة، أو اللجوء لخيار التشغيل الذاتي بتعاون بين الدولة بصفتها الدائن الأساسي وصاحبة المصلحة والأجراء وكبار الدائنين من القطاع الخاص والقطاع العام”.
لا تزال قضية سامير تمثل أحد أبرز الملفات الاقتصادية والاجتماعية العالقة في المغرب، وتتطلب تدخلاً حاسما لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان، وبين صرخات العمال والمتقاعدين، وتجاهل الحكومة، تبقى مصير الشركة معلقة في انتظار حلول قد لا تأتي، ما يطرح تساؤلات حقيقية حول مستقبل القطاع الطاقي في المغرب وقدرة البلاد على تحقيق سيادتها الطاقية.