نزار الفراوي-ومع
في ذروة الحركة السياحية الصيفية، تتحدث شوارع وساحات جنيف العربية بلهجات ولكنات المشرق والمغرب. في ساحة مولار، معظم زبائن المقاهي والمطاعم المصطفة من مواطني الخليج وبدرجة أقل من شمال إفريقيا. سيدات تذرعن مراكز التسوق ومحلات العلامات الكبرى للعطور والحلي والأزياء في شارع “ريف” و”الرون”. بعض الزوار العرب يصطف في الطوابير انتظارا للقطار السياحي الأحمر على الكورنيش، بينما يفضل آخرون جولات عبر المراكب الترفيهية التي تجوب بحيرة ليمان.
يطل بائع المثلجات من كشكه يبتغي اجتذاب أسرة عربية من ثلاثة أجيال بعبارات جاهزة اكتسبها من خبرة الشارع: “سلام أليكوم. مرحبا”. من جدة على كرسي متحرك إلى رضيع في عناية مربية آسيوية، تحل عائلة خليجية كاملة العدد لقضاء أيام سويسرية تلائم الذوق والثقافة. أبو جاسم يتجول في جنيف بارتياح المعتاد على المكان. “سويسرا وجهة عائلية بامتياز. هادئة وصغيرة الحجم. صخب العواصم الأوربية لا يناسبنا. الفنادق والمحلات والمراكز السياحية كلها متمركزة على ضفة البحيرة، مما يجعل الحركة ميسرة خصوصا ونحن مصحوبون بأطفال وكبار السن”.
مع صديقتين، تكتشف الشابة هالة جنيف لأول مرة. فاجأها هدوء المكان وصغر المدينة الدولية ذائعة الصيت. إغراء الاسم حملها على برمجة الرحلة. “كل شيء بات متوفرا عبر العالم، لكنها متعة خاصة أن نشاهد ونقتني مواد مصنعة هنا. مجرد أن نتناول جبنة أو شوكولاتة سويسرية في هذا المكان له متعة خاصة”.
لم يحفزها على الرحلة إعلان ترويجي رسمي، بل تجارب القرينات ممن سبقنها إلى المكان، وتفاخرن بتجاربهن في الجلسات. غدا، تنتقل الصديقات إلى مدينة إنترلاكن. لم تتردد صحيفة سويسرية في وصفها مجازا بـ “المدينة العربية”. فقد راكمت عبر السنوات جاذبية خاصة تجاه زوار الشرق الأوسط، وطورت آليات استقبالها لتصبح مكانا حميما يجد فيه المواطن العربي والمسلم خصوصا نفسه. مطاعم “حلال” ومتعهدو خدمات يتحدثون العربية وأماكن إيواء تكيف عرضها مع مطالب زبائن بثقافة مغايرة.
يبدو أن محنة الجائحة خلف الظهر، وسويسرا بصدد استعادة الانتعاش الكامل. فبينما سجلت 2019، آخر سنة مرجعية قبل الجائحة 8، 863 ألف ليلة مبيت من دول الخليج، فإن سنة 2022 قاربت 6، 820 ألف ليلة. التعداد تضاعف تقريبا مقارنة مع العام 2021 (425 ألف). وتستحوذ جنيف على 28 في المائة من التدفقات متقدمة على مناطق بيرن وزوريخ وفو.
تشد إلى سويسرا رحلة الشتاء والصيف، لكن هذا الأخير يستأثر بـ 6، 72 في المائة من التدفقات. والمؤشرات التي حصلت عليها وكالة المغرب العربي للأنباء من الهيئة السويسرية للسياحة Suisse tourisme يؤكدها دبيب الساحات والشوارع ومراكز الاستجمام في جنيف، التي تتغذى أيضا على سياحة حدودية آتية من فرنسا المجاورة. فالأقارب والأصدقاء الوافدون من البلدان المغاربية على أبناء المهجر يطيب لهم اكتشاف العالم السويسري الفريد، لكن الباهظ الثمن، ولو في ساعات قليلات من جوف النهار، قبل العودة مساء إلى الديار الفرنسية.
تنجح البلاد في إغراء الزائر بالتوقف في أكثر من محطة. 93 في المائة من الزوار يقصدون في سفرهم السويسري وجهات متعددة. لكن القاسم بينها معايير عشرة صنفتها الهيئات المهنية بناء على استطلاع واسع، في مقدمتها ثراء المنظر الطبيعي، الأمن، الهدوء…
هي دورة اقتصادية كاملة تبتهج لهذا الإقبال المتنامي من لدن السائح العربي، في منحى عكسي للتناقص النسبي لجاذبية الوجهات الأوروبية التقليدية. على سبيل المثال، يفضل 64 في المائة من السياح الخليجيين التنقل بالسيارة في سويسرا، مما يجعل الصيف موسم فيض بالنسبة لوكالات تأجير السيارات، يعوض كساد الأيام الباردة. سلسلة الفنادق الراقية المطلة على البحيرة، في وسط جنيف، تكاد تخلو لهذه الشريحة من السياح. فيرمونت، بو ريفاج، ريتز كارلتون، فور سيزن… كلها تتحدث العربية صيفا.
تفيد المعطيات بأن معدل الإنفاق اليومي للسائح الخليجي يناهز 420 فرنكا (440 أورو تقريبا). رقم يجعل العالم العربي وخصوصا منطقة الخليج سوقا ذات أولوية في برامج الترويج التي تباشرها الهيئات المكلفة بالقطاع. المشهد الطبيعي الخام يقترن بمجهود مجدد لصناعة الخدمة الجاذبة التي تجعل المكان السويسري وجهة مشتهاة يقصدها الزائر، ويعود إليها.