يعد المدير العام لوكالة المغرب العربي للأنباء، خليل الهاشمي الادريسي، الذي وافته المنية أمس السبت بالرباط عن عمر ناهز 67 عاما، بعد معاناة مع المرض، أحد الأعلام البارزة المشهود لها بالاقتدار في مجالات الصحافة والإعلام والأدب.
وكان وسيط وكالة المغرب العربي للأنباء، إدريس أجبالي، الذي جمعته بالراحل صداقة امتدت لسنوات طويلة، قد خص الفقيد، قيد حياته، ببورتريه توقف فيه عند المحطات البارزة في مساره الحافل.
وفي ما يلي نص هذا البورتريه، المنشور ضمن كتاب “وجوه من الصحافة المغربية”، الذي أصدرته وكالة المغرب العربي للأنباء سنة 2021 :
“خليل الهاشمي الإدريسي.. مروض الحروف
أكثر من كونها الأحرف الأولى لاسمه، (خ ه إ) هي توقيع. وأسلوب. من دون أن يحرف المعنى، يتفنن قلمه في التعبير عن أي فكرة بإيجاز غاية في الدقة. إنه واضح ووضاح. وبحثا عن الاسترخاء، في هذا الزمن الضائع، يقرض الشعر: ملاذه وحصنه. عالم حيث تجود القريحة بالكلام المنظوم من دون قيود. وفي شخصه يجتمع الرجل والصحفي وخادم الدولة.
ولد (خ ه إ) بالدار البيضاء في غشت 1956 في حي تسكنه روح مقاومة المستعمر، بدء من الاسم: درب السلطان. وكان والده، أحد المقاومين البارزين، من رواد الإذاعة المغربية. ما يعني أن نشأته في أسرة متشبعة بالفنون، والإعلام، كانت مواتية لشغفه. خبر (خ ه إ) الدار البيضاء، بالأبيض والأسود، كما في الفيلم الذي يحمل الاسم نفسه. وكان للمدينة آنذاك نفحة همفري بوغارت وروعة إنغريد بيرغمان.
وبعد نيله شهادة البكالوريا فلسفة وآداب، حط الرحال بباريس. وفي مدينة الأنوار، التي لا يزال، حتى اليوم، مرتبطا بها بشدة، سيكتشف أمرين بنيويين: أولا، الوعي بعروبته، مع كل ما يعنيه ذلك من استدراك ضروري وجهد للتخلص من الأفكار النمطية. وثانيا، روح فلاسفة التنوير جعلته يدرك أنه من دون الإنسانية والأفكار التقدمية، لا يمكن لمسيرة العالم إلا أن تكون محفوفة بالعراقيل. وبعد تكوين متين، بحصوله على دبلوم السلك الثالث في الجغرافيا من السوربون ودبلوم الأستاذية في التخطيط الحضري، كان بإمكانه أن يشق مساره المهني في فرنسا. ولكن تعلقه بوطنه أعاده إلى المغرب.
وهنا سيميط اللثام عن الصحفي الكبير بداخله. كما لو كان يريد أن يقتفي خطى والده، كان (خ ه إ) قد بدأ بالفعل مسارا مهنيا في الإذاعة. إذ واكب مع آخرين تحرير موجات الأثير بعد انتخاب فرانسوا ميتران، وكذلك المعارك التأسيسية المرتبطة بالإدماج والتنوع. وفي المغرب، سيكون أحد رواد صحافة جديدة. ففي أوائل التسعينيات، سيكون، إلى جانب محمد السلهامي، أحد بناة أسس صحافة مهنية خاصة. وفي ظل ملحمة “ماروك إيبدو”، سيكون إحدى تلك الأقلام الجديدة التي ستكتب الصفحات الذهبية لمغرب اختبر مزايا التعددية والحرية.
وفي سنوات 2000، سيكون سيد نفسه بتأسيسه صحيفة (أجوردوي لوماروك) مع ثلة من الشخصيات التي وضعت ثقتها به. صحيفة ناجعة، شعارها مواكبة العهد الجديد. وهكذا، سيصبح (خ ه إ) أحد الصحفيين النادرين الذين أفلحوا في التوفيق بين التحكم في إنتاج المحتوى بتنوعه وإكراهات تدبير مقاولة صحفية. إنه مدير مقاولة صحفية متفرد ومتكامل.
وأخيرا، يتشرف اليوم بخدمة الدولة على رأس وكالة المغرب العربي للأنباء. وبنضج مهني، سيعمل على تأهيل جذري للوكالة التي ستنتقل، تحت مسؤوليته، من مقاربة أفقية ضعيفة الإنتاجية إلى مقاربة عمودية احترافية مثمرة ومتنوعة ومتعددة الوسائط.
ويقضي وقت فراغه بين منصبه كحاكم سابق لفرع 416 المغرب لـ “نوادي ليونز الدولية” وكرئيس لجمعية “أصدقاء غوتنبرغ”. (خ ه إ)، الرجل المولع بالغولف، والأنيق، أب لطفلين، ومقبل على الحياة بنفس النهم الذي يلتهم به الكتب”.