في مشهد سينمائي يحاول تناول معاناة الشباب المغربي داخل أحياء الصفيح، يقدم الفيلم الجديد “نايضة.. كبرها تصغار” تجربة تستحق التقدير من حيث المحاولة، لكنها تعاني من عدة نقاط ضعف قد تعيق تحقيقها للتأثير المرجو، يظهر العمل نية صادقة في نقل واقع يعيشه العديد من المواطنين المغاربة يوميا، مع تركيزه على قضايا اجتماعية حساسة كالبطالة، التهميش، وغياب الحوار بين المواطن والمسؤول، ومع ذلك، يبدو أن الفيلم يعاني من خلل في أدواته الفنية والدرامية، مما جعله يكتفي بملامسة عاطفة الجمهور دون أن يقدم جديدا أو يفتح باب النقاش الجاد.
بين الكوميديا والدراما: تناقض غير متوازن
الفيلم يحاول المزج بين الكوميديا والدراما، وهي وصفة شائعة لجذب الجمهور، لكنها تتطلب مهارة دقيقة لتحقيق التوازن، في “نايضة.. كبرها تصغار”, ظهرت الكوميديا وكأنها أداة للترفيه فقط، لا تحمل عمقا يدعمها في السياق الدرامي.
في مشاهد كان يفترض أن تعكس معاناة حقيقية لشباب الكاريانات، تحولت النكات إلى عامل مشتت يُضعف الأثر العاطفي، وغياب الانسجام بين اللحظات الدرامية والكوميدية جعل الفيلم يبدو كأنه يقفز من موضوع إلى آخر، بدلا من بناء سردية متكاملة.
الكوميديا، التي يفترض أن تكون نافذة أمل أو انتقادا ذكيا للواقع، بدت وكأنها مجرد “ملء فراغ”، بينما كان يمكن أن تكون أكثر عمقا إذا استخدمت لتسليط الضوء على تناقضات الشخصيات أو سخرية الواقع بذكاء.
الدراما، من جانبها، لم تستطع أن تخرج عن الصورة النمطية، عُرضت المعاناة بأسلوب مباشر يفتقر إلى التفاصيل التي تجعل المشاهد يغوص في حياة الشخصيات، على سبيل المثال، لم تظهر القصة الجانب الإنساني الغني لهؤلاء الشباب: طموحاتهم الداخلية، كفاحهم النفسي، أو حتى تصوراتهم للحلول، وهو ما يجعل الدراما بلا روح حقيقية.
سيناريو سطحي وحوارات ضعيفة
السيناريو في الأفلام الاجتماعية هو الركيزة الأساسية لإقناع المشاهد بواقعية القصة وملامستها للواقع، وفي “نايضة.. كبرها تصغار”, بدا السيناريو أشبه بمجموعة من الخطوط العريضة التي افتقرت إلى التفاصيل التي تضفي على القصة طابعا شخصيا وإنسانيا، والأحداث كانت متوقعة، تبدأ بمشاهد مألوفة عن البؤس وتنتقل دون تطور درامي إلى نهاية مغلقة بلا تأثير.
أما الحوارات، فجاءت مباشرة ومليئة بالشعارات، وكأنها مستنسخة من تصريحات صحفية أو خطابات عامة، غاب عن الشخصيات التعبير الفردي الذي يعكس طبيعتها وأبعادها، لم تكن هناك لحظات تجعلنا ننسى أنهم ممثلون، وهذا ضروري في عمل يهدف إلى تجسيد واقع معقد، واستخدام الحوار كان يمكن أن يكون وسيلة لإبراز تناقضات المجتمع، لكن النص فضل “التلقين” بدلا من إثارة التساؤلات.
عمل بلا بطل
العمل الذي يعتمد على أسلوب “الكورال” غالبا ما يكون تحديا كبيرا؛ إذ يتطلب كتابة ذكية تجعل من كل شخصية قطعة مهمة في لوحة عامة متماسكة، لكن في هذا الفيلم، لم يكن هناك خيط يربط بين الشخصيات سوى المكان الذي يجمعها، مما جعل الشخصيات تبدو منعزلة عن بعضها.
بعض الشخصيات ظهرت وكأنها وُضعت لتبرير فكرة معينة أو لتمثيل شريحة مجتمعية، دون أن تُعطى حياة حقيقية أو سياقا شخصيا، على سبيل المثال، شخصية الشاب المثقف المناضل العاطل كانت نمطية للغاية، ولم تُظهر عمقا يعكس نضاله الداخلي أو محاولاته للتكيف مع الواقع، هذا الافتقار للتماسك جعل الفيلم يبدو وكأنه مجموعة من القصص القصيرة غير المكتملة، بدلا من عمل متكامل يحمل رسالة واضحة.
ملامسة العاطفة.. لا أكثر
استطاع الفيلم أن يثير تعاطف الجمهور، لكنه لم ينجح في تحويل هذا التعاطف إلى تفكير أو رغبة في التغيير، وملامسة العاطفة أسلوب فعال، لكنه لا يكفي وحده لخلق عمل فني قوي، يعتمد الفيلم بشكل كبير على عرض مشاهد البؤس والمعاناة المعروفة للجميع، مما جعله أقرب إلى توثيق الواقع بدلا من نقده أو تقديم رؤية جديدة.
كان من الممكن أن يستغل صانعو الفيلم هذا التعاطف في إثارة تساؤلات أعمق حول مسؤولية الجميع، سواء المواطن أو الحكومة، في تحسين الأوضاع، غياب البعد التحليلي جعل العمل أشبه بـمرآة عاكسة، تعكس الصورة دون أن تُقدم أي أداة لرؤية الأمور من زاوية جديدة.
نهاية بلا أفق
النهاية في أي عمل فني ليست مجرد خاتمة، بل هي فرصة لتلخيص الرسالة أو فتح باب للنقاش، وفي “نايضة.. كبرها تصغار” لم تأت النهاية بحلول أو حتى تساؤلات تترك المشاهد في حالة من التفكير، بدت وكأنها نهاية متوقعة تحاول إغلاق القصة بدلا من تعقيدها بواقعية.
النهايات المفتوحة، على سبيل المثال، كانت ستمنح الفيلم بعدا فلسفيا أو دراميا أعمق، إذ تترك المشاهد أمام مسؤولية التفاعل مع الرسالة، أما النهاية الحالية، فهي تعكس محدودية السيناريو في تجاوز القضايا المطروحة، لتبقى مجرد استعراض بصري للأزمة دون أفق أو تطلعات.
نية طيبة
“نايضة.. كبرها تصغار” فيلم يمتلك نوايا حسنة ومهمة اجتماعية، لكنه افتقد للأدوات الفنية والدرامية التي تجعله عملا قويا، والسيناريو والحوار كانا أضعف حلقاته، والكوميديا جاءت سطحية في مشاهدها، بينما غابت الرؤية العميقة التي تجعل الفيلم أكثر من مجرد انعكاس للواقع، مع ذلك، فإن المحاولات لتناول قضايا الشباب المغربي بهذه الجرأة تظل خطوة إيجابية، لكنها تحتاج في المستقبل إلى استثمار أكبر في العمق الدرامي والابتكار الفني لتترك أثرا حقيقيا ومستدامًا.